|
الكتابة باللغة العربية على الثياب.. ثقافة جديدة في عالم الأزياء
مؤمنة معالي
تطور ملحوظ ما يشاهد اليوم في عالم الأزياء الذي بدأ مع مطلع الحياة البشرية في هذا الكون، صنع آدم وحواء أولى ثيابهما من أوراق الأشجار، وبعد أن عرف الانسان الصيد أصبح يبحث عن الحيوانات ذات الفرو ليستعيض بها في ملبسه عن أوراق الشجر السريعة الذبول، ثم اكتشف القماش وحاكه وصنع منه رداءً وإزاراً وثوباً وغير ذلك، الى أن تفجرت ثورة الأزياء في القرن العشرين من عاصمة الأزياء حتى اليوم "باريس" وذلك على يد تشارلز فردريك وورث الذي يعتبر المصمم الأول للأزياء.
نهض بعده مئات المصممين المشاهير، أبرزوا من خلال أعمالهم ثقافات بلدانهم، وروجوا لها حتى احتلت عالما العربي، كثيرون يعتقدون أننا نعيش احتلالاً ثقافيا فيما نستورد من أزياء، العديد يسعون لإبراز الثقافات العربية أيضا ونجح كثيرون منهم في ذلك من خلال التعريف بالأزياء التراثية، والآن يطرق باب الموضة من خلال حروف اللغة العربية المكتوبة بالعديد من الخطوط والأشكال، وكذلك بالعبارات التي تحمل الكثير من المعاني.
"بينما كنت اتجول في أحد شوارع عمان لم أكن اتوقع أن أجد محالاً تبيع ثياباً مكتوب عليها باللغة العربية، كنت دائماً أعاني عند شراء ملابسي فأنا من الأشخاص الذين يهتمون بالرسالة التي تنشر من خلالها قبل الاهتمام بمظهرها، ولأني أخشى دائما ارتداء ملابس تحمل عبارات مسيئة، بات الأمر يشكل لي قلقا، وأصبحت أنتبه لجميع العبارات المكتوبة على ثياب من يمرون بي، وللأسف كثير منها تحمل عبارات عنصرية وشتائم وعبارات جنسية، يستغلنا الغرب او حتى بعض المصممين العرب في نشرها"، هذا ما قاله مهدي لـ"السبيل" الذي كان في أحد المحلات المختصة ببيع الثياب المكتوب عليه بالعربية.
قبل سنوات كانت المطبوعات العربية على الثياب مقتصرة على الأزياء الموحدة الخاصة بالنوادي الصيفية وأزياء المدارس، وكل ما يتطلب زياً موحداً مكتوبا عليه شعار مطبوع يوضح مهمة أعضاء الفريق، الا أنه في الفترة الأخيرة توسعت الكتابة باللغة العربية على الثياب محاولة الدخول للساحة التي عرفت الانجليزية أو الرسومات فقط لغة للملبوسات فيها.
الظهور الإعلامي لعب دوراً
عدد من الذين قابلتهم "السبيل" عزوا وجود هذه الثقافة وتقبلها للظهور الاعلامي إلى بعض الثياب ذات التصاميم العربية، الأمر الذي أدى للبحث عن محال تبيع ثيابًا بتصاميم عربية، بالرغم من أنها ما تزال مجرد مشاريع بسيطة لم تحتل مكانة واسعة في عالم الأزياء. كلمة "احسان" اختارها الاعلامي أحمد الشقيري صاحب برنامج خواطر كنقش عربي على ما يرتديه في أثناء ظهوره في الحلقات الرمضانية لبرنامجه، كذلك ظهر الإعلامي الكوميدي محمد الغانم المعروف بـ"أبو الغور"، في حلقاته الكوميدية من "البرنامج القوي" بثياب تحتوي على كتابات باللغة العربية، تتناسب ومواضيع الحلقات الاجتماعية التي يطرحها.
قضايا سياسية حاضرة
بالرغم من عزوف الكثيرين عن ارتدائها في الشوارع؛ بسبب الخشية من التضييق الأمني، حسب ما تحدث أحد المتاجرين بهذا النمط من الثياب، هناك الكثير من التصاميم التي تُطبع للتعريف بقضية سياسية على الساحة كأنقذوا غزة، أو شالات مطبوع عليها صور للمسجد الأقصى، أو سنعود يا قدس، وحتى في الآونة الأخيرة ظهرت اشارة رابعة كرمز لما جرى في مصر في اغسطس الماضي التي طبع منها آلاف النسخ وبيعت في خضم الأحداث، الا أن تجسد القضايا السياسية من خلال الثياب قد يعد معدوما الا في الفعاليات.
قصة رائدة
استوقفتني تجربة حسين زعتراوي صاحب محلات اسلاميك ديزاين هاوس الذي تخرج كمصمم جرافيك ديزاين، حاول أن ينتج شيئاً جديداً ومثريا على الصعيد الاسلامي يحمل رسالة وأناقة في الوقت ذاته، الأمر الذي دفع به لاقتحام مجال التصميم على الأزياء بالصبغة العربية قبل أربعة أعوام، وهو الآن صاحب لفرعين في الأردن الى جانب افتتاحه لفروع في كل من الامارات والكويت.
نفذ زعتراوي تصاميمه التي حملت نفس الدعوة والرقي في مضمونها، كالدعوة للصلاة في المساجد، أو الابتسامة في وجه الاخ المسلم، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبة وبر الوالدين الى غير ذلك من العبارات التي يقول أنه ينتقيها بتدبر واحاطة، وليس مجرد تصميم جمالي وحسب.
ويضيف الزعتراوي: "في البداية واجهنا الكثير من المصاعب في تقبل هذا الطرح، كان بعض الملتزمين ينكر علينا ويعتبر هذا امتهانا للغة القرآن، نحن في الحقيقة نعمل من أجل تقديسها واظهارها بجمال المعنى والتشكيل، وبعد مشاورتنا لاهل العلم، وإباحتهم لذلك استمرت مسيرتنا واليوم نجد لتصاميمنا وتصاميم آخرين في ذات المجال زبائن ليسوا بالأقلية".
زبائني ليسوا مسلمين فقط
الزعتراوي تحدث لـ"السبيل" أن هناك أجانب وغير مسلمين يقبلون على شراء تصاميمه، بالرغم من عدم فهمهم معانيها او إيمانهم بها، لكن جمال اللغة العربية يجذبهم، وربما تكون مثل هذه الشعاعات بداية لبحثهم عن أصول هذه الثقافة واسلامهم ربما، وكذلك هناك زبائن من الأطفال؛ حيث إنه اهتم بتصاميم تتناسب والطفل المسلم من عمر سنتين فما فوق، اختار لها شعارات "انا احب ماما وبابا" و"انا احب المساجد" وغيرهما.
يتطلع حسين زعتراوي للمساهمة في نشر آصالة اللغة العربية في خضم ما يعيشه الشباب اليوم من الانخراط في هوس الموضة التي طالما استخفت بعقولهم من خلال ما ينشر على الثياب وبلغات متعددة، وغالبا ما تحمل معاني بذيئة من واقع تلك الثقافات، آن الأوان لإبداء ثقافتنا.
ويختم الزعتراوي حديثه بالاجابة عن شكوى بعض الزبائن من غلاء مثل هذه التصاميم بالقول: "ما يزال زبائننا أقل من زبائن التصاميم الأخرى بكثير، لذلك بضاعتنا ليست بالحجم الهائل الذي لدى غيرنا، لذلك قد تكون الكلف علينا مرتفعة نوع ما، هذا الأمر لن يعود يلمسه المشتري مع انتشار بضاعتنا بصورة أكبر".
الخزاعي يحذر
دكتور علم الاجتماع حسين الخزاعي حذر من أن تحمل مثل هذه الملبوسات إساءة لجهات او فئات من المجتمع، أو أن تنادي بالعنصرية أو تكون جارحة لبعض القضايا، مشيراً الى أنها ظاهرة باتت تأخذ مكانها في الأردن، وتجد قبولاً بين الشباب في مختلف مواقع تواجدهم.
السبيل
|
|
|
|