|
التنوير في الأدب العربي
الطهطاوي والشدياق والمويلحي...هؤلاء الكتاب العرب الثلاثة أصبحوا الابطال الرئيسيين في تقرير فاليريا كيربيتشينكو "طرق تطور الأدب التنويري العربي" الذي عرض في معهد الدراسات الشرقية خلال ندوة بعنوان "آداب دول المشرق في العالم الحديث".
فاليريا كيربيتشينكو الحائزة على درجة الدكتوراه في علوم اللغة وهي علامة في الأدب المصري، معروفة لدى القارئ الروسي كمترجمة لأعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وبهاء طاهر.
في عام 2009، أصدرت دار نشر "العلم" في موسكو كتاباً مترجماً من قبلها وهو واحد من أفضل الأعمال التي كتبت في نمط "الرحلة" بعنوان "الإبريز من زيارته لباريس أو تخليص الإبريز في تلخيص باريز" للكاتب المصري المعروف رفاعة الطهطاوي، وفي هذا الاطار تشير المستشرقة فاليريا قائلة:
كان هذا الكتاب الأول من الأدب التنويري، الذي قمت بترجمته وكتابة خاتمة طويلة. ثم قمت بترجمة كتاب ثان. الجدير بالذكر أن عمل رفاعة الطهطاوي طبع في عام 1834. أما مؤلف الكتاب الثاني "قصة عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي، فهو كان العمل التربوي الهام الثاني، الذي صدر في عام 1907. أما الآن فأنا بصدد ترجمة كتاب ثالث لمؤلفه اللبناني فارس شدياق.
وبعد تخرجه من الأزهر، غادر الشيخ الطهطاوي إلى باريس عن عمر يناهز الأربع وعشرين عاماً وقضى هناك ست سنوات. كان معجباً بإنجازات الفرنسيين التقنية، وتطور التعدين والمسرح والجادات الباريسية الشهيرة، حيث الرجال والنساء يمسكون بأيدي بعضهم البعض ويتحادثون بحرية. بالطبع فإن هذه الممارسات كانت غريبة عن المسلمين في ذلك الوقت. وهنا لا بد من أن نذكر بأن الطهطاوي في كتاباته كان يحث أبناء وطنه على عدم رفض منجزات العلم والتكنولوجيا الغربية، وذلك لأن مثل هذا الموقف من شأنه أن يتعارض مع مبادئ وتعاليم الإسلام.
في الوقت الذي ألف فيه الكاتب المصري محمد المويلحي عمله بعنوان "قصة بن هشام"، كان الطهطاوي قد فارق الحياة منذ ثلاثة عقود، ولكن لم يحدث ذلك تغييراً في نمط الاستمرارية الأدبية، فحبكة قصة المويلحي، الذي زار كلاً من إيطاليا وفرنسا، تحكي عن نفس رحلة الأبطال. لكن في الحقيقة فإن هذه الرحلة كانت خيالية من نوع خاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن بطل الكاتب الروائي عيسى بن هشام- باشا ترك، الذي عاش في عهد محمد علي، والذي توفي قبل نصف قرن، وها هو الآن يقوم من بين الأموات- ويتجول في رحلة في المنام.
أما كتاب المؤلف اللبناني فارس الشدياق بعنوان "الساق على الساق في ما هو الفارياق" فقد ظهر في عام 1855. هذا النوع من سرد سيرته التي يصف فيها المؤلف رحلته كيف انتقل من لبنان إلى مصر، ثم إلى مالطا. ومن ثم كانت لندن وكامبريدج وتونس وباريس، وفي هذا السياق تشير كيربيتشينكو قائلة:
بالطبع، فإن هؤلاء الكتاب الثلاثة مختلفون فيما بينهم لكن كلاً منهم شخصية مشرقة ولكل منهم تقاليده، ولكل منهم الحداثة الخاصة به، ولكن في الوقت نفسه لديهم الكثير من القواسم المشتركة. لذلك نرى بوضوح تطوراً ملموساً في الأدب التنويري. والقاسم المشترك الأهم هو أن الثلاثة يبشرون بالمعرفة والعلم والتدريب. جميعهم انتقدوا أوروبا، لكنهم كانوا على قناعة تامة بأنه يجب أن استخلاص المعرفة والتقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية من أوروبا، لأن كل ذلك ضروري للعرب. من وجهة النظر هذه، فإن جميع الكتب الثلاثة مهمة وموضوعية، والفرق في مدى دراية كل منهم بالثقافة الأوروبية.
يشار إلى أن فارس شدياق شخصية معروفة في الأدب العربي ومتناقضة وتثير جدلاً كبيراً. فهو ولد في عائلة مارونية، ثم انتقل إلى البروتستانتية، وساعد المبشرين لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية. وعندما كان في تونس، اعتنق الاسلام وأخذ اسماً جديداً أحمد على شرف الحاكم التونسي.
في اسطنبول، عندما وصلها الكاتب في عام 1857 بناء على دعوة من السلطان التركي، فقد نشر أكثر من 20 من معالم الأدب العربي في القرون الوسطى. بما في ذلك تعليق لمعجم قواعد اللغة الذي تم تأليفه في القرن الثالث عشر، وهذه المفردات يستخدمها الشدياق في كتابه "الساق على الساق في ما هو الفارياق". ولهذا بحسب قول فاليريا كيربيتشينكو فإن ترجمته صعب للغاية، وأضافت تقول:
بالإضافة إلى ذلك، لديه الكثير من قصائده الخاصة، علماً أنها غير لائقة، لكنه يأخذ هذا من التقليد: فهذه القصائد كانت تسمى شعر المجون (شعر الفاحشة). وهي كانت دائماً موجودة، ولكن ازدهرت خصوصاً في العصر العباسي. وقتها لعب الشعراء دور المهرجين لدى بلاط الحكام، وتحت قناع الفكاهة كانوا يسمحوا لأنفسهم توجيه النقد والسخرية على أي شيء.
يضم كتاب أحمد فارس شدياق 500 صفحة، ولم يبق سوى 100 صفحة تقريباً لتنتهي فاليريا من ترجمته بشكل كامل.
صوت روسيا
|
|
|
|