|

لغتنا العربية والتلوث السمعي و البصري
أ. علي المعالي
أينما وليّت وجهك، تصدم بما تشاهده، سواد على صفحات الصحف الاعلانية، اسماء المحال التجارية، والدعايات التجارية التي يتم بثها عبر التلفاز والمذياع، من كلمات لا تمت للغتنا العربية بصلة، فهل اصبحت اللغة العربية قاصرة عن ايجاد المصطلحات، والاسماء، التي تلفت انتباه الجمهور اليها، أم انها ضحالة تفكير القائمون على هذه التسميات؟
لا تحتاج اللغة العربية لمن يدافع عنها، فقد حفظها الله سبحانه وتعالى، بأن جعلها لغة القرآن الكريم، الذي تكفل بحفظه، ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الآية 9 من سورة الحجر، وقد انزل الله سبحانه وتعالى القرآن باللغة العربية، ولا تجوز الصلاة الا اذا تٌلي القرآن خلالها باللغة العربية، مما جعل من هذه اللغة الجميلة لغة عالمية، يتحدث بها الناس في مشارق الارض ومغاربها، فما بال اهل هذه اللغة يهجرونها، الى لغات اخرى ركيكة، هشّة، وغير معبّرة، بل ان احدهم إذا تحدث بها تجده يحشو بعض المصطلحات الاجنبية بين جنباتها.
كان سكان اوروبا في العصور الوسطى، يعيشون فترة جهل وظلام فكري، وثقافي، وكانت النخبة المثقفة منهم تتباهى بتحدث بعض الكلمات العربية، نظرا لأن العلوم المختلفة كانت تنشر باللغة العربية، فتجد من اراد منهم ان يراه الناس مثقفاَ ومتعلماً يتحدث ببعض المصطلحات العربية اثناء حديثه بلغته الفرنسية او الانجليزية، لكي يؤكد للمستمعين انه متعلم ومثقف، فهل دار الزمن دورته، ليتم تبادل الادوار؟ إننا نعيش عصر العولمة، ولم تعد العلوم حكراً على لغة معينة، هذا الاصرار من بعض اشباه المثقفين على تجاهل هذه اللغة التي أغنت لغات العالم، ووسعتها، أهو الشعور بالنقص لدى هؤلاء ؟ وهل يعتقد هؤلاء القوم انهم اذا تحدثوا وكتبوا بلغة غير اللغة العربية يقنعون المستمع والقارئ انهم مثقفون، ومتعلمون؟ أم تراه نتيجة غزو ثقافي تشنُه علينا مختلف الحضارات.
هل تسمية احد المحال (Happiness coffee shop) وهي تعني باللغة العربية «دكانة قهوة السعادة»، أفضل من تسمية « مقهى السعادة» ! وهل تسمية احدى الشركات باسم ( Ideal Company) أفضل من تسميتها « الشركة المثاليّة».
انظروا حولكم، وطالعوا الصحف، اسماء المحال التجارية، اللافتات الاعلانية، حيث تغص بهذه المصطلحات التي اعتبرها شكلاً من أشكال التلوّث البصري، ومن واجب كل عربي مقاومة هذا الغزو الثقافي، من خلال العودة الى لغتنا العربية التي وسعت كل شيئ.
اللغة العربية، هي لغة اهل الجنّة، وهي لغة القرآن الكريم، وهي لغة الاباء والاجداد،فلماذا هذا الجحود من قبل البعض؟ بصراحة...لا اجد سبباً مقنعاً، الا ما ذكرته آنفاً ، وهو ان من يعاني من نقص في ثقافته وإطلاعه، يحاول ان يظهر للناس على عكس حقيقته، فتجده يكتب ويتحدث بمصطلحات غريبة، ليقنع الناس انه مثقف، وواسع الاطع، وعليهم تصديقه، والاقتناع بما يروَج له من سلعة، او فكرة، او خلافهما.
إن هذا الأمر لا يعدو مرضا نفسيَاً، يجب على مثقفي هذه الأمة العظيمة، بذل جهد أكبر في علاج هؤلاء القوم، من خلال مقاومة الغزو الثقافي، المتمثل بالأفلام، والدعايات الاجنبية، وعلى الجامعات العربية القيام بتعريب كافة العلوم، والمصطلحات العلمية المختلفة، والتدريس باللغة العربية، وهذا لا يعني ابداً اننا نقاوم فكرة تعلم اللغات الاخرى واتقانها، بل ان هذا الامر واجب، لنستقي منها العلوم، والمعرفة، ونقوم بدورنا بترجمتها، تماما كما فعل اجدادنا حينما اخذوا علومهم عن اليونان، والطليان، وغيرهم، واستفادوا من الحضارات الهندية ،الفارسية ،اليونانية، والرومانية، ولم ينسهم هذا الامر لغتهم، بل انهم طوّروا هذه العلوم، واعادوا انتاجها، وتصديرها الى تلك الحضارات، وغيرها.
إن اللغة العربية هي لغة المثقفين، ومن يتحدث ، أو يكتب بغيرها، يحتاج الى زيادة معرفته وتوسيع ثقافته، ولعل افضل وسيلة لذلك هي القراءة، فلنطالع الدواوين الشعرية، والروايات الادبية، وقبل هذا كله وبعده، فلنقرأ كتاب الله، ونحفظ ما نستطيع منه، وبهذا تصبح اللغة العربية سلسة وخفيفة على لسان من تعلموا النطق بغيرها.
اللغة العربية هي أمنَا ، التي يجب ان نبرّها، وان الحديث او الكتابة بغيرها، عقوق لها،
لنعد الى لغتنا العربية، فمن لا يعتز بلغته، وتاريخه، وثقافته، فما هو الا تابع للآخرين، وإمّعة يميل الى حيث الناس تميل، ان مهمة المثقفين في هذه الايام هي مقاومة التغريب بالتعريب.
الرأي
|
|
|
|