أدب الطفل بين الفن والتربية

د. رزاق محمود الحكيم

    حظي أدب الطفل ولازال بعناية الدارسين والمبدعين ، لما له من أهميـــة في التربية والتعليـــم والتوجيـــه ، وتنوعت أشكاله ومضامينه ، وساهم كبار الكتاب والشعراء والباحثين بنصيب وافــر في إنتاج هذا الأدب ، أو وصفه ، أو شرحه ، وبيان غاياته وقواعده وأصوله ، وليس من السهل على المبدع ، أو الدارس لهــذا الأدب أن يقترب من عالم الصغار ، وأن يتحدث عن انشغالاتهم، وميولهم ورغباتهم ، ولكن نجاح الأديب في هذه القضيـــة يتوقف في رأيي على حب الطفل وملاعبتــه ، والتعرف على ميولــه ، والحنو عليه باستمرار ، وبدون هــذا الحب والعطف والرعاية ، يصبح هذا العالم مغلقا ، كما تصبح الكتابة عنه ضرباً من الاجتهاد والوصف الخارجي والصنعـــــة .
    وبناء على ذلك فإن هدف الكتابة إلى الأطفال يتوجه وجهتين :     الأولى إمتــــاع الطفل وتسليته ، وتنميـــة مداركــــه العقلية ، والنفسية والذوقية ، والثانية تربيته على القيم النبيلة ، وتشكيل شخصيته بما يتوافق مع المسارات الاجتماعية والوطنية ، والقيم الحميدة ، والعادات النافعة ، ليتربى عليها ويتمسك بها وبمقومات مجتمعه ووطنه ودينه .
   وإذاً فإن مصطلح أدب الطفل قد يبدو لأول وهلة مصطلحاً سهلا كما قد يقرنه البعض بحاجات الطفـــل وألعابه ، وميولـــه ورغباته ، لكن أدب الطفــــل هو كل هذه الأشيــــاء مجتمعة ، فهــــو الغذاء والتسلية ، واللغة والخطاب ، واللهـــو والفرح واللعب ، والصمت والكـــلام والسكون والحركة ، هـــذه الأشياء المتجانسة ، وغير المتجانسة تمتزج كلهــــا لتكون غـــذاء صحياً يوضع على مائدة الأطفال مأدبة شهيــة ، يتغذى منهـــا الطفل ، وينمـــو ويتأدب ، فتتشكل حياتـــه ، وتتنوع اهتمامانه ، وتقوى شخصيته، وتتفجر مواهبــه ، وليس الأدب الموجه إلى الأطفـــال منحصراً في هذه الأغاني والأهازيج والأناشيـــد الشفهية ، أو المكتوبـــة ، ولاهذه القصص والمسرحيات ، ولاهـــذه الرسوم والألــــوان ، والألعــــاب والمو سيقى ، بل إن أدب الطفل هو هــذا الكل المركب من هذه الأشياء مجتمعة : من الغناء والإنشاد ، والقصص والحكايات ، ومن المسرحية والصورة ، والصوت والحركة ، والإشارة والضوء واللعبـــة ومن هذه المشاهد اليومية والمرئية التي تعتـــرض سبيله ، وتثير اهتمامه داخل المنزل ، أو خارجه .
    من يكتب إلى الأطفـــال لابد أن يأخذ مـــن هذا الزاد المتنوع ، بالمقدار الذي ينفع الطفل ، ويسليـــه ويمتعه ، ومن هنـــــا تأتي صعوبة الكتابـــة في أدب الطفل ، إذ ينبغي للمبـــدع مراعاة هذه الانشغالات والتوفيق بينها ، وعليها يتوقف نجاحه ، أو فشله .
    ويركز علماء النفس والتربية على الأعوام الخمســة الأولى من عمر الطفل ، وإن شخصيته تتشكل في مراحل حياته الأولى هذه ففيها تنمو مداركه وأحاسيسه وهي مرحلة حاسمة وخطيرة في حياته ، حيث يتربى ذوقه ، وتترسخ في وجدانـــه ميوله ، ورغباته ومواقفه من الحياة والناس .
    وينبغي التمييز في أدب الطفــــل بين أدبين : الأول أدب الطفل قبل المدرسة والثاني أدب الطفل المتمدرس ، وهذا الفرز تقتضيه مراحل نمو الطفـــل ، ففي السنوات الخمس الأولى من عمره ، يتدرب على اكتساب اللغـــة والعادات والذوق ، وأدب هذه الفترة يتناسب مع عمره ، ويتدرج شيئا فشيئا ، وعاما بعد عـــام ، وهو عبارة عن هذه الأغاني والترديدات ، والأهازيج ، والألاعيب ، التي تعتمد الأنغام الخفيفة ، المحببة والمشوقة ، ومن خلالهـــا يتعلم اللغـــة ، ويتحسس الجمـــال ، ويتذوق الموسيقى ، ويفــرق بين الأصوات والألفاظ والعبارات .
    إن موضوعات هذه الفترة بسيطة ، يتعرف الطفــل خلالها على الأشياء المحيطة به ، والمؤثرة في أحاسيسه داخل الأسرة وبين الوالدين والأفارب والجيران . أما المرحلـــة الثانية فهي أدب الطفل المتمدرس التي تبـــــدأ من السن السادســة ، وتشمــــل أعوام المدرسة الابتدائية والمتوسطة ، فإذا انتقل التلميذ إلى الدراسة الثانوية ، فإنـه يكون قد تجــــاوز مرحلة الطفولة ، واكتسب عادات كثيرة وتعلم وخبر أحوال الناس والمجتمع ، كما أن كثيراً من هــذه العواطف والأحاسيس التي تعلمهــــا ، تبقى راسخـة في أعماق النفس ولايمكن أن تزول بسهولة وهنا تكمن خطورة هذه المرحلة وأهميتها.
     أما صعوبة الكتابة في أدب الأطفـــال فتتمثل في كيفية تقديم خطاب أدبي وجداني يداعب مخيلــة الطفل ، ومزاجه وأحاسيسه بطريقة نافعــــة ومقنعــــة ومشوقة ، وفي لغــــة سهلة وميسرة وموسيقى وأنغــــام محببة ،  وفي إيصــــال القيم التربوية النافعة ممتزجة مع المقاطـع الصوتيـة والأناشيد والأغاني والأشعـــار فإذا استمتع بها أقبل على حفظهـــا وترديدها ، والإيمـــان بها ، كذلك الحال مـــع الأدب الحكائي والقصصي الذي ينبغي أن يخلــــو من المبالغات والخوارق ، وأخبار الجن والسحر والمنجمين ، بل تنتقى موضوعاته من واقع الحياة اليومية ، وتحــاول بين الحين والآخر أن تبتعد عنه بحذر لتتحدث عن رموز التاريخ ، والتراث بمــا يعزز لدى الطفل الإرادة ويقويها في مواجهة الحاضر ، وتحديات المستقبل .
   ولكي أضع القـــول موضع التنفيذ سأقـــدم أنموذجين في أدب الطفل المتمدرس في الأنشودة المدرسيـــة ، الأول موجــه إلى تلاميذ المدارس الابتدائية ، والثاني موجــــه إلى طلاب المدارس المتوسطة ، وهما موجودان في كتابين صـدرا لي عام 2009 عن دار النجم الثاقب في مدينة سطيف بالجزائر .
    الأنموذج الأول : رفاق العلم ( من بحر الرمل ) :
    يارفاق العلم هيــــا للدروس      فبها تحيا الأماني في النفوس     يارفاق العلم هيــا للعلـــوم       فبها ندرك أسرار النجــــــــــوم    هي ذي مدرستي وسط الزهور   هي كالروض بهاء كالطيـــــور     يارفاقي يارفاق المدرســــة       نحن نبني وطناً بالهندســـــة     وإلى الجنة أبصرت طريقــــي     وحملت العلم زادي ورفيقـــي
   الأنموذج الثاني : تحية المدرسة ( من مجزوء الرجز ) :
          يامعهــد البشيـــــــر            حبك في ضميــــــري   

         ألهمتني مستقبلي             كالعارف البصيــــــــــر         

      فجئت أمشي حالما            على هدى تفكيـــري       

      إليك أبغــــي سؤددا            من علمك الغزيـــــــــر    

    وأرتقي سلالمــــــــا            للنور والنميــــــــــــــــر       

     معلم الأجيال عشـــ             ت في مدى الدهــــور        

    مربياً للنشء والأخــــــــــــــــــــــــــــــــلاق والشعور        

  أعجوبة بين الورى                 مالك مــــن نظيـــــــر