القرآن وكلمات أصلها غير عربي

د. أسعد الصالح

 يُطرح السؤال عن كون بعض كلمات القرآن ليست عربية. بينما يصرح علماء الإسلام إن القرآن “كله عربي” لا ينسون أن يردوا على من يقول لهم أن هناك كلمات من أصل غير عربي. يقول الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في تفسيره المنير إن الشافعي هو أول من رد على الزعم  بأن القرآن ليس عربياً خالصاً وذلك من خلال طرحه لاحتمال أن يكون بعض العرب لم يعرفوا كلمات القرآن كلها ولذلك ظنوا أنها غير عربية أو من خلال اقتراحه أن ما نطقه العرب من كلمات اعجمية هو في الأصل كلام عرّبه العرب “وأنزلوه على طبيعة لغتهم، وجعلوه صادراً من لسانهم، بحسب حروفهم ومخارج تلك الحروف وصفاتها في لغة العرب.” مع ذلك لم تحسم الإشكالية. حتى ان بعض الملحدين المحدثين غير الدارسين لا للغات ولا للأدب يشككون بكل القرآن بناءً على هذا الفهم القاصر للمسألة. كتب علوم القرآن تناقش هذه القضية بآراء مختلفة وقد لا تشفي الغليل ولا تعطي القول الفصل. لذلك لي رأي خاص سأطرحه لعله يكون حاسماً لهذا الجدل.
 قال الله تعالى “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (سورة يوسف: 2). وهناك آيات أخرى تبين أنه قرآن عربي. الهدف من كون القرآن عربياً لكي يعقله ويفهمه الناس الذين أُنزل عليهم: “لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.” هذا الفهم يتحقق ولو كانت بعض الكلمات في القران أصلها غير عربي. الأصل غير اللغة المشهورة المعروفة. وفي عصرنا الحالي هناك علم يدرس أصول الكلمات وكيف   تطورت معانيها. في اللغة الانجليزية يسمونه
Etymology.
 القرآن يركز على الخطاب وأنه لن يكون بلغة أعجمية تحتاج إلى ترجمان بل باللغة التي تتداولها الأقوام لكي يعقلوا هذا الخطاب. مغزى الاية هو كون القُرْآن بلغة يفهمها العرب الذين تلقوا الوحي بغض النظر عن أصول بعض كلمات هذه اللغة. قال الله عز وجل: “وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..” [إبراهيم: 4[.
لسان القوم هو ما يتكلمون به ويؤدون به وظيفة اللغة وليس ما تكشفه البحوث من أصول هذه الكلمات. عندما نقول “اللغة العربية” لا يعني هذا عند علماء اللغة عدم وجود كلمات فيها أصولها غير عربية. ربما أغلب من تكلموا في هذه المسألة من قبل كانوا في عصر لم تشتهر فيه نظريات اللغة وعلومها. القرآن معجزة من جنس ما نبغ فيه العرب في تركيبهم الكلام وجعل المعاني والألفاظ في نسق قد يكون إبداعياً وقد يكون عادياً. القرآن تجاوز قدرتهم في الإبداع ومنهم الشعراء وأصحاب البلاغة. لكن هذا التحدي الإعجازي كان في مضمار اللغة التي يعرفونها ويبدعون بها وليست الكلمات ذات الأصول غير العربية متعلقة لا بفهم القرآن ولا بإعجازه. هم كانوا يفهمون هذه الكلمات ويستطيعون أن يردوا فيها على إعجاز القرآن إن أرادوا التحدي. علينا أن لا ننسى هنا أن القرآن كتاب هدفه العالم أجمع، وأن ترجمة معانيه للغات الأخرى يدل على كونه خطاب لكل الناس، حيث صارت معانيه توضع في لغات يفهمها غير العربي حتى يعرف رسالة الإسلام.
 بحسب علمي كل اللغات أخذت من لغات أخرى كلمات قليلة أو كثيرة وصارت متداولة ودلالاتها مفهومة كأي كلمة أصلها غير أجنبي. كون اللغة الاسبانية مثلا فيها كلمات أصولها عربيةـ وهذا ثابت علمياًـ لا يعني أن رواية دون كيخوتي للأديب ميغيل دي سيرفانتس ليست مكتوبة باللغة الإسبانية. نفس الفكرة تتعلق بلغة القرآن.
 لكن بعض الناس يدعي انه لا يوجد أصول كلمات غير عربية في اللغة العربية. هذا ليس كلاماً علمياً. مثلاً، هناك شخص يشير إليه القرآن باسمه ذي الأصل غير العربي وهو النبي إبراهيم. العرب يعرفون ابراهيم والقران نزل باللغة التي يعرفونها. لا توجد إشكالية إطلاقاً. لكن قد يدرس الباحث اسم ابراهيم ويكتشف أصله العبري. مادخل هذا بذاك؟ إبراهيم لفظة مفهومة للعرب وهذا معنى “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا”. أما البحث اللغوي عن الأصل فهو ليس له علاقة بالمسألة إطلاقاً.
 هذه نتيجة البحث عن الأصل: (إبراهيم) اسم أصله عبري وهو أبراهام (ארבתס ) والاسم نفسه مأخوذ من أصل قديم هو أبرام ﭏבֿכֿטּ ومعناه: الأب ذو المكانة العالية. مرة أخيرة أقول: الجدال الدائر حول المسألة برأيي يخلط بين عربية القرآن وأصول بعض الكلمات. هذا مثل من يخلط بين اللغة الانجليزية وبين كون بعض كلماتها ذات أصول غير انجليزية. إذاً، اللغة العربية التي نزل بها القرآن على العرب هي اللغة التي يفهمونها لكي يعقلون كتاب الله المخاطِب لهم، وليس المقصود الدخول في بحوث لغوية عن أصل الكلمات غير العربية المنتشرة عند العرب، واتخاذ ذلك وسيلة للإشكال الذي ورد فقط عند المتأخرين. تنتهي المسألة فقط لو ميزنا بعقلانية بين اللغة العربية بشكل عام وأصول كلماتها بشكل خاص.
 العباءة العربية قد تكون أصول بعض خيوط تطريزها هندية، هل نتهم من يبيعها على أنها عربية؟ قس على ذلك أموراً كثيراً، إن أحببت. أتمنى أن تُنهي هذه الفكرة البسيطة الجدل حول هذه المسألة المتعلقة بالقرآن، لأن سبب الإشكال أن أصول الكلمات في وادٍ ولغة القرآن في وادٍ آخر. وأهل مكة أدرى بشعابها.

all4syria