مرونة اللغة العربية في الاشتقاقات السورية

أ.أحمد عبد الرحمن العرفج

كَمُوَاطِن عَربي أَعشقُ اللُّغةَ العَربيَّةَ، وأَتغنَّى بِهَا، وأُطرَب لَها، وبِهَا أَكتُب، وبِها أتوَاصَل مَع النَّاس، وعَلى فرُوعها وأغصَانها تَرَعْرَتُ وكَبرتُ.. كُلَّ هَذا العِشق والتَّغزُّل باللُّغة لا يَمنعني مِن النَّقد، وإبرَاز أَوجه الخَلَل في استخدَامها أحيَانًا..!
في الجَانِب الآخَر: إنَّني مُغرم بتَمسُّك السُّوريين باللُّغة العَربيّة، وتَشبُّثهم بِهَا، ولَكن مَن يَتجوّل في سُوريا؛ يَجد أنَّ اللُّغة العَربيّة هُنَاك بَعيدة عَن حيَاة النَّاس، فمَثلًا تَجد أنَّ مجمع اللُّغة العَربيّة في سُوريا؛ لَا يُسمّي المَطبّ الصّناعي بهَذا الاسم، بَل يَكتبون قَبله: انتَبه أمَامك "محدّب صنَاعي"..!
أمَّا المَلف الأخضَر العلاّقي الذي نُعاني مِنه -هُنَا- مُنذ الولَادة وحتَّى المَمَات، فيُسمّونه في سُوريا "الإضبَارَة"..!
وإذَا كُنتَ في دمشق، وأردتَ مَعرفة اتّجاه الطَّريق الدَّائري، فلَن يَدلَّك أَحد، لأنَّهم يُسمّونه "المُتحلّق"، أي أنَّه كـ"الحَلَقَة حَول المَدينَة"..!
وإذَا أَردتَ صَرّاَفًا آليًّا في سُوريا، فيَجب أن تَسأل قَائلًا: أين أَجد كوّة صَرّاف آلي؟!
وإذَا كَانت مَعك زَوجتك في سُوريا، وأرَادَت أنْ تَتبعّل أمَامك، وتَتزيَّن، وطَلَبَتْ مِنك أنْ توصلها إلَى الكَوافيرة؟ فَلَا تَسأل النَّاس: أين الكَوَافيرة؟ بَل قُل: أين المزيّن؟!
وإذَا كُنتَ رَجُلًا مِثلي؛ لَا تَغسل مَلَابسك بنَفسك، بَل تَبعث بِهَا إلَى المَغسلة، فلَا تَسأل النَّاس في سُوريا قَائلًا: أين مَغسلة المَلَابس؟ بَل قُل: هَل يُوجد هُنَا مَصبغة قَريبَة؟!
أمَّا إذَا مَرضتَ في سُوريا، فلَا تَسأل عَن المُستَشفَى، لأنَّك ستَموت قَبل أنْ تَصل إليهِ، بَل قُل: أين المَشْفَى؟!
حَسنًا.. ماذا بقي؟!
بقي القول: يُطربني في السّوريين؛ أنَّهم تَمسَّكوا باسم "بوظة" بَدلًا عَن الآيسكريم، حَيثُ تُشير بَعض المَصادر إلَى أنَّ البوظة كَلِمَة عَربيّة تَعني: (الحَلوَى المُجمَّدة المُكوَّنة مِن سُكَّر وحَليب، أو مَوادّ أُخرَى كالفُستق والشّمَّام واللَّيمون وغَيرها..)، وتُشير نَفس المَصادِر إلَى أنَّ البوظة تَعني -أحيَانًا- نَوعًا مِن الجعّة..!

المدينة