المستشرقون وعروبة العراق - 2

أ. صلاح المختار

 الجينوم يثبت ان العرب وصلوا اوربا قبل الاسلام

بعد نشر الجزء الاول من التحليل وردتني رسائل كثيرة ومنها من اكاديميين مختصين بالتاريخ واللغات تدعم ما ورد في التحليل وتدعوني لمواصلة هذا البحث والتعمق فيه لاجل التنوير في قضية القيت عليها عشرات الاغطية كي لا يراها الناس. وفيما يلي بعضا من تلك الرسائل اخترتها لان كتابها مختصون او متابعون بعمق : ملاحظة ابو فادي مناضل عربي مسيحي

أ- اخي العزيز ابو أوس..

تحية وبعد

معلومة مفيدة تضاف الى معلوماتنا وهي مهمة جدا في ازالة اللغط حول اصل اللغات.

انا شخصيا كنت من اكثر الناس الذي يفند الادعاء الصهيوني القائل بأن المسيح كان يهوديا ويتكلم اللغة العبرية

وكنت اقول دائما بأن المسيح كان يتكلم اللغة الارامية وهو ارامي اي عراقي وهذا ما اكده البابا فرنسيس في لقائه مع المسخ نتنياهو عندما قال للبابا بأن لغة المسيح هي عبرية فصحح البابا له قوله حينما قال.. بل أراميا. نتنياهو لم يستطع الرد عليه فاضطر الى قول.. نعم انه كان يتكلم العبرية ايضا!!!!!!!!!

استنادي في قولي كان دائما الحقيقة القائلة بأن الارامية هي أم اللغات السامية حيث كانت تكتب بلا نقاط وبلا تحريك ومنها استنبطت اللغات الباقية بعد أن ادخلت عليها النقاط والحركات من رفع وجر وكسر والخ.

معلوماتك هذه ستضطرني الى البحث المتعمق عن مواضيع كثيرة لها شأن في هذا الموضوع بالذات. فشكرا لاسهامكم هذا والى المزيد ودمتم سالمين

مع التحيات القلبية

(ابو فادي)

 

وارسل ابو فادي شريط لقاء نتنياهو مع البابا وفيه رد البابا المفحم على نتنياهو

 

ب– ووصلتني رسالة اخرى من اكاديمي من المغرب العربي لم انشر اسمه لانني لم استأذنه ولكن ان اذن لي سانشره هذا نصها :

تحية كريمة أستاذ صلاح المختار

لقد ورد في أحد مقالاتك إشارة إلى اعمال بحثية قام بها "سوسةّ" وقد لفتت نظري كثيرا وذلك ما تؤيده كتابات المستشرق الفرنسي غوبينو السفير في بلاد فارس في القرن التاسع عشر وهو رجل يتقن اللغات السامية وقد بين أن اللغة الأرامية ليست إلا اللغة العربية معتمدا على نقوش التي وجدت في قصر خوسباد وقد اعتمد أيضا على أقوال الرحالة اليوناني الذي جاء إلى العراق حوالي الف سنة قبل الميلاد وقال ما لاحظه من ان سكان العراق هم عرب. وكتابه من اروع الكتب وادقها وعنوانه (الكتابات المسمارية) ويعد ما ينيف عن 800 صفحة من بينها 250 صفحة عن الآرامية والعراق. وإني مستعد للكتابة في ذلك وقد فوجئت بما ذكرت عن "سوسة" لأن ما ذكرته يؤيد كلام غوبينو ويؤيد أمرا آخر وهو وجود الفينيقيين منذ 3100 سنة قبل المسيح في شمال افريقيا وهم يدعون تارة بالفينيقيين وتارة بالقرطاجينيين وطورا بالبونيين

فرجاء إن تفضلت أن تدلني على المراجع التي تحدث فيها "سوسة" عما ذكرت في مقالك واعدا اياك باني سآخذ الموضوع من جديد بالاعتماد على كتاب غوبينو وعلى كتب المؤرخين القدامى

تحياتي وتأييد لثورة التحرير في العراق. انتهت الرسالة.

هاتان الرسالتان وغيرهما تؤكدان اننا الان بحاجة لمعركة كشف الحقيقة ودحض ادعاء من يقول بان العرب دخلوا العراق بعد ظهور الاسلام، لاننا نمسك بزمام الحقائق المادية وليس النظريات العنصرية الاستعمارية والصهيونية. وقوة حجتنا ومنطقنا مصدرها العلم والموضوعية.

 

3- الادلة العلمية الصرفة : تثبت الادلة العلمية الصرفة ان العرب كانوا في العراق والمنطقة كلها وهي المغرب العربي والمشرق العربي وانهم تخطو نطاق الوطن العربي الى خارجة فوصلوا الى اوربا، وانتشروا هناك قبل المسيح بالاف السنين. ويتوفر لدينا الان الدليل الاكثر حسما على صحة ما جاء به الدكتور احمد سوسة رحمه الله وهو نتائج والبحوث الجينية وهي بحوث علمية صرفة مدعومة بادلة لا تدحض،

ففي تقرير عن دراسة علمية صرفة نشرته شبكة فضائية هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) في 21-1- 2010 تحت عنوان يقلب رأسا على عقب ما كتب عن اصول العرب والاوربيين هو (دراسة: رجال الشرق الأدنى اجتاحوا اوروبا قبل 10 الاف عام) ورد فيها ما يلي : قالت دراسة جينية ان اصول معظم الرجال الأوروبيين تعود إلى مزارعين هاجروا الى القارة العجوز من الشرق الأدنى. ولكن علماء آخرين يعتقدون أن الجينات الأوروبية تعود إلى رجال هاجروا الى القارة الأوروبية خلال العصر الجليدي الأخير أو قبله. وإذا كانت الهجرة قد حصلت فان أصول الذكور والإناث في أوروبا تعود الى بدايات العصر الحجري (قبل ما بين 10 آلاف الى 40 ألف سنة)

فقد اظهرت دراسة لكروموسوم Y الذي ينتقل من الاباء الى الابناء بدون تغييرات تذكر، لدى حوالي 2500 رجل من مختلف انحاء القارة الاوروبية ان قوة هذا الكروموزوم تزداد مع الاقتراب من منطقة الأناضول. ويستخدم التنوع الجيني للاستدلال على عمر فئة سكانية معينة، فكلما طال العمر الزمني لفئة ما كلما كانت جيناتها أكثر تنوعا.

وحين فحص هذا العامل لدى سكان القارة الأوروبية تبين أن عمر السكان ما بين 5 آلاف الى 10 آلاف سنة. أما الدراسات السابقة فقد توصلت الى أن اصل سكان القارة يعود الى العصر الحجري (من 10 آلاف-40 ألف سنة)، وتبقى هناك خلافات حول الطريقة الأمثل لتقدير عمر السكان.

وقالت الدكتورة باتريسيا بالاريسك من جامعة ليستر البريطانية والتي شاركت في البحث المذكور ان سيطرة القادمين من الهلال الخصيب قد يعود لكونهم من المزارعين الذين كانوا اكثر جذبا للنساء. وقالت بالاريسك ان دراسة الحمض النووي لهؤلاء الرجال اظهر لنا ان اصولهم الوراثية تعود الى المزارعين المهاجرين عن طريق التركيز على كروموسوم واي الاكثر شيوعا في القارة الاوروبية الذي يحمله حوالي 110 مليون من الرجال في اوروبا. واضافت ان 80 بالمائة من كرموسوم واي الموجود لدى الرجال في اوروبا يعود الى المزارعين الذين هاجروا الى القارة.

وفيما يتعلق باصول النساء في القارة الاوروبية اوضحت دراسات اخرى جرت على سلاسل الحمض النووي ميتوكورديال الذي ينتقل من الام الى الابنة دون اي تغيير ان اصولهن يعود الى جنوبي القارة الاوروبية وكن يقمن باعمال الصيد عقب الحقبة الجليدية. ولفتت بالاريسك الى ان هذه الدراسة "تدل على ان الذكور العاملين في الزراعة كانوا اكثر قدرة على النسل والتكاثر من الرجال الاصليين الذين كانوا يعملون في الصيد والجمع خلال مرحلة التحول الى المجتمع القائم على الزراعة". وقالت بالاريسك لبي بي سي نيوز إن من الملاحظ أن النساء أكثر خصوبة من الرجال، وأن 40 في المئة من الذكور لا يتركون خلفهم اي نسل، مما يعني أنه لا يتركون أثرا جينيا. المصدر : الخميس, 21 يناير/كانون الثاني, 2010, 14:59 BBC العربي

ما معنى ما ورد في الدراسة؟ كي نوصح الامر من الضروري الانتباه لما يلي :

أ – ان اصول 110 مليون اوربي حاليا من الهلال الخصيب اي العراق بشكل خاص بنهريه العظيمين دجلة والفرات.

ب- الاناضول في ذلك الوقت كانت منطقة للعرب الذيم تقدموا شمالا اثناء هجرتهم من اليمن والجزيرة العربية، والقبائل التركية هاجرت الى الاناضول في وقت قريب نسبيا.

ج – ان العرب الذاهبين الى اوربا في فترة ما بين 10 الاف عام و40 الف عام كانوا اخصب جنسيا من الرجال الاصليين وكان العرب مزارعون بينما الرجل الاوربي الاصلي كان صيادا وبسبب ذلك الفرق في الخصوبة اندثر الرجل الاصلي وتزوجت النساء بمن قدم من الهلال الخصيب.

هل هذا يكفي لتأكيد وليس لاثبات ان العرب هم اقدم من سكن الوطن العربي بمشرقه ومغربه ومنه وصلوا الى اوربا قبل اكثر من 10 الاف عام على الاقل؟ اليس ذلك دعما علميا لاشك فيه لما توصل اليه دكتور سوسة؟ اما الاقوام التي دخلت العراق وبقية الهلال الخصيب فدخولها كان لاحقا بفترات طويلة لدخول العرب. وهذه حقيقة بايولوجية قاطعة وحاسمة وليست اجتهادا او تقديرا تقريبيا تؤكد ملاحظة يعتم عليها المستشرقون وهي التي يلخصها السؤال التالي وجوابه : لم تعرب المغرب العربي فور وصول الاسلام اليه بعد ان كانت اللغة موضع تبدل واضطرابات معروفة بينما لم تعرب بلاد فارس مثلا؟

الجواب الدقيق هو ان تعريب الاقطار التي وصلها الاسلام ومنها المغرب العربي حصل بسرعة لان هناك اصلا هجرات عربية قديمة جدا عمرها الاف السنين قبل الاسلام الى تلك الاقطار، فالبربر او الامازيغ مثلا كانوا عبارة عن مهاجرين من اليمن الى المغرب العربي، كما اكد محمد عابر الجابري المفكر المغربي العربي الامازيغي الذي قال كلمته الشهيرة في اليمن في عام 2010 على ما اتذكر (انا عربي من المغرب اصلي امازيغي من اليمن)، والسفير الجزائري الباحث عثمان سعدي العربي من اصل امازيغي الذي كتب دراسات علمية اثبت فيها الاصول العربية للامازيغ، وبوصول الفاتحين العرب حاملي رسالة الاسلام الى المغرب العربي استعيد الاصل بعد ان غمرته قرون من التغييرات الكثيرة، اما فارس فلم تتعرب لانها كان لها هوية قومية راسخة.

 

4- الوقائع التاريخية المدونة والثابتة : من هم الغساسنة والمناذرة ومتى اقاموا دولتهما؟ تقول موسوعة ويكيبيديا ما يلي : الغساسنة هم سلالة عربية أسست مملكة في الشام ضمن حدود الإمبراطورية البيزنطية في فترة ما قبل الإسلام. اما المناذرة فقد كونوا مملكة قوية من أقوى ممالك العراق العربية قبل الإسلام فكانت هذه المملكة هي امتداد للمالك العربية العراقية التي سبقتها مثل مملكة ميسان ومملكة الحضر، وقد امتد سلطان مملكة المناذرة من العراق ومشارف الشام شمالاً حتى عمان جنوباً متضمنة البحرين وهجر وساحل الخليج العربي.

اذن كم مملكة عربية وجدت في العراق والشام قبل الاسلام؟ كثير من الممالك نشأت بعد انتهاء الامبراطورية الاشورية العظمى ولكن اشهرها ممالك المناذرة والغساسنة وميسان والحضر...الخ. هذه دول معروفة وليست اساطير كاذبة لفقها المستشرقون وتؤكد بان العرب كانوا موجودون في العراق وغيره قبل المسيحية والاسلام واليهودية. الا يدحض ذلك بشكل حاسم ونهائي نظرية ان العرب وصلوا العراق بعد الفتح الاسلامي وانهم حلوا مجل السكان الاصليين؟

ملاحظات ختامية لابد منها :

1- المستشرقون الاوبيون بغالبيتهم كانوا ادوات الاستعمار الغربي والصهيونية وكانت وظيفتهم خدمة الاهداف الاستعمارية والصهيونية عن طريق تزوير التاريخ لتصبح القصة الاوربية والصهيونية هي السائدة وبذلك تمرر المخططات الاستيطانية الصهيونية ويبرر وجود الاستعمار ونهبه للثروات. اليست القصة الصهيونية (ارض بلا شعب وشعب بلا ارض) هي التي استخدمت لغزو فلسطين واسكات الرأي العام عن تلك الجريمة التي هجرت اربعة ملايين فلسطيني؟ ولو عرف العالم ان الشعب الفلسطيني العربي هو صاحب الارض منذ اكثر من 10 الاف عام هل كانت القصة الصهيونية تمر بسهولة؟

2- وقصة ان العراق لم يكن عربيا قبل الاسلام هي التوأم الطبيعي لقصة ان فلسطين ارض بلا شعب ويجب ان تعطى لشعب بلا ارض، فاذا رسخت في الاذهان قصة ان العراق حديث وعمره اقل من مائة عام وان من يحكمونه هم (مستعمرون عرب) يسهل تغيير هويته. ولكن حينما يربط العالم بين بلاد ما بين النهرين وبين شعبها الاصلي وهو الشعب العربي فان قصة حداثة العراق تسقط فورا فهذا الشعب وصل اوربا قبل اكثر من عشرة الاف عام فمن اين يصل اذا لم يكن طريق الاناضول وطريق المغرب العربي هو بوابة دخول اوربا؟

ولهذا يطمرون عمدا وتخطيطا حقيقة ان الذي تغير في العراق ليس السكان وهويتهم القومية بل الديانات فالعربي العراقي صار يهوديا ثم صابئيا ثم مسيحيا ثم مسلما، تغيرت الديانات ولم تتغير الهوية القومية لسبب بسيط وهو ان الهوية القومية ليست معتقدا فكريا او روحيا لم يكن موجودا ثم امن به الانسان وانما هي هوية للانسان تولد معه منغرسة في شعورة ولا شعوره ووجدانه وهي بهذا المعنى اقدم وارسخ من الديانات. ولذلك نجد الان الفارسي (المسلم) يقتل ويعذب ويهجر المسلم العراقي بشراسة وعنف وحقد اشد من احقاد الصهاينة! والسبب هو ان قومية الفارسي ارسخ واقوى من ديانته الاسلامية.

3 – ادعاء ان العراق صار عربيا بعد الاسلام وليس قبله ليس سوى احد اهم ادوات الصهاينة والاستعمار الغربي لتبرير احتلال العراق وتحطيمه وتقسيمه واحلال سكان غرباء محل العرب، ولهذا لم تكن صدفة ابدا ان الاحتلال الامريكي حالما تم وضع دستور ينفي عروبة العراق بتقسيم العرب الى شيعة وسنة وليس الى عرب بينما اعترف بالقومية الكردية ولم يتحدث عن اكراد سنة وشيعة، وثبّت ذلك في دستور الاحتلال ثم شرع بتنفيذ خطة مخابراتية لتهجير ملايين العرب من العراق بكافة طرق الارهاب والابادات والتمييز الطائفي والعنصري! ولاكمال هذا المخطط كانت امريكا متفقة مع ايران على تهجير اكثر من سبعة ملايين عراقي عربي وادخال اكثر من اربعة ملايين فارسي وغير فارسي الى العراق لتغيير النسب السكانية، وكل ذلك تم ويتم تحت عنوان (حداثة) العراق و(اصطناعه) في سايكس بيكو مثلا!

وبناء عليه فان الوطني العراقي الحقيقية هو الذي يحترم الهوية الوطنية العراقية ويعدها معياره الرئيس للتمييز والتسميات لا ان يغلب هوية فرعية وخاصة على الهوية الجامعة والمشتركة بين كافة العراقيين وهي الهوية الوطنية العراقية. ومن يهمه مصير المسيحي العراقي عليه ان يتذكر ان المسيحي اصلا عربي الهوية وقبل ظهور المسيحية ولذلك فان الصابئي والمسلم مثل المسيحي هو عربي بالاصل والواقع، وبدون هذا الربط التاريخي يحصل الانحراف ويقع كثيرون في فخ المخابرات الصهيونية والغربية التي تعمل بلا كلل وعلنا لتقسيم العراق وبقية الاقطار العربية.

البصرة نت