ما في عربي

د. كلثم جبر



هذه العبارة تواجهك أينما وجدت.. في المطار ومكاتب الطيران والفنادق والمتاجر والمولات والمطاعم ومعظم الشركات والمؤسسات، والمستشفيات الأهلية والصيدليات، بل حتى في الشوارع العامة عندما تسأل أحدهم عن مكان ما، فلن تجد غير عبارة (ما في عربي) تصفعك وتنسيك أنك في بلد لغته الرسمية هي اللغة العربية، وهو موضوع طالما كتب عنه الكتاب، ونادى بمعالجته المختصون في اللغة العربية، بعد أن اشتكى منه معظم الناس الذين يتعرضون لهذه المشكلة ليل نهار، وخاصة كبار السن من الرجال والنساء، بل وحتى الذين يجيدون اللغة الإنجليزية وهي السائدة، إنما يتذمرون من إصرار العمالة الوافدة على الحديث بها، ومن هذه العمالة من يجيد العربية أو بعض كلماتها، لكنه يصر على الإنجليزية، استخفافا واستهتارا بلغة البلد الذي استضافه وأتاح له فرصة العمل.

وما لا أعرفه هو لماذا لا تفرض الجهات الرسمية المختصة شرط الحديث باللغة العربية ضمن بنود عقد التعاقد مع هذه العمالة؟ ربما واجهتها في البداية بعض الصعوبات، لكنها تؤسس لمستقبل يضمن للغة العربية حقها في الانتشار، ويزيح الهم عن كاهل المواطنين الذين لا يجيدون غير لغتهم الأم والتي يفتخرون بها لأنها لغة القرآن، أو على الأقل لماذا لا تلزم الشركات والمؤسسات ذات العلاقة بالخدمات العامة التي تقدمها للمواطنين، وذات المساس المباشر بالمراجعين.. لماذا لا تلزم موظفيها بتعلم العربية في المعاهد المحلية، على أن يكون الحديث بالعربية ولو بشكل مبسط من الشروط الأساس لمنح رخصة العمل، مثل الشهادة الطبية وغيرها من مسوغات منح رخصة العمل.

لسنا وحدنا الذين نصر على الوافدين التحدث بلغة الوطن، من باب الاعتزاز بهذه اللغة، فالفرنسيون والألمان والإيطاليون وشعوب كثيرة غيرها، يصرون على استعمال لغتهم الأصلية، بل حتى عندما نسافر إلى البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء العمال يرغموننا على الحديث باللغة الإنجليزية، وإذا كان واجب الجهات الرسمية المختصة فرض التحدث باللغة العربية على العمالة الوافدة، فإن من واجب المواطنين أيضا تحمل جزء من هذه المسؤولية بعدم الحديث معهم بغير العربية، وما يحدث أننا نستجيب لإصرارهم على اللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت حصيلتنا منها ضعيفة، فندخل معهم في حوار بكلمات لا هي عربية ولا إنجليزية، بل هل لغة ثالثة كما سماها سعادة الدكتور عبدالعزيز بن حمد الكواري. وفي يقيني أننا لو التزمنا التزاما صارما بعدم الحديث مع الأجانب إلا بالعربية، لأجبرناهم على تعلم العربية من خلال خطابهم اليومي مع المراجعين، وليس هناك ما هو أسهل من المخاطبة لتعلم أية لغة، والتمرن على مفرداتها ذات الاستعمال المتكرر في الحياة اليومية.

لقد أثرت العمالة الأجنبية الوافدة على الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا العامة، وجاء دور اللغة العربية لتشوه على أيدي هذه العمالة، مما يستوجب التنبه لهذا الخطر الذي تتعرض له لغتنا الأم، وفي هذه المسألة الكل مسؤول عن حماية اللغة العربية من العبث والتشويه الذي تمارسه العمالة الأجنبية الوافدة في كل مكان.

وهذا لا يتعارض مع أن نتعلم الإنجليزية أو غيرها من اللغات، فهذا أمر ضروري، في عصر التثاقف والتقارب والتواصل بين الشعوب، وهذا موضوع آخر لاعلاقة له بما نحن بصدده هنا، لأن المطلوب في النهاية هو المحافظة على لغتنا العربية التي نعتز بانتمائنا لها ديناً ودنيا.


الراية