علاقة الخطاب بالوسائط السمعية – البصرية

أ. مراد ليمام

يتجاوز العصر الراهن اللغة وأساليبها وصيغها في التعبير الشفوي أو التصوير. فما يمتاز به هذا العصر هو تفجر في تكنولوجيا الإعلام والتواصل، التي تنطوي على خطابات هائلة بل خيالية تتجاوز الحدود والسدود والحواجز. ومن أهم ظواهر ذلك هو علاقة الصورة بالخطاب المعاصر كمحمول. إذ توحي الصورة بمجموعة من الدلالات تعادل ملايين الكلمات، وغالبا ما تكون إخبارية أو تسجيلية أو جمالية أو إشهارية... تكون متصلة بمادة تحريرية صالحة للنشر أو للبث عبر القنوات.
فالصورة الصحفية مثلا تعد وسيلة للاتصال تساعد على توطيد العلاقات الإنسانية وتنمية الحس الجماعي ، يتم انتقاؤها وتوظيفها بحيث لا تبقى طافية فوق سطح الخطاب بل تذوب في نسيجه. لذلك مازال الخطاب الصحفي المكتوب من أهم ظواهر الحياة الثقافية الحديثة. فلقد استفادت الصحيفة الحديثة مما يقدمه المحللون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون... باعتبارهم وسطاء بين الفكر وجمهور القراء. من هنا بات الخطاب الصحفي يبتدع في التعبير ليحقق وظيفته الاتصالية حيث تتوزع لغته  بين التعبير  بالصورة وبالكلمة٬ أي الخطاب كإنتاج نصي  والصورة كتماثل أيقوني تسيطر فيه لغة الإثارة.
غير أن الخطاب الصحفي المكتوب يواجه تحديا عصريا، بفعل تأثير الإعلام المرئي- السمعي المتمثل في الخطاب الإذاعي والتلفزيوني. فالإذاعة الصوتية ( الراديو) والتلفزيون هما وسيلتان تمرران خطابات، عن طريق الصوت والصورة المقترنة بالصوت، إلى قطاعات عريضة من شرائح المجتمع. إذ ينتج بثهما أثرا عميقا في نفس السامع والمشاهد على اعتبار ما يحققانه من جاذبية خاصة قد تصل حد الٳدمان .
ويبرز الكثير من الباحثين الآثار المترتبة على إدمان الوسائل السمعية – البصرية٬ ومن ذلك مثلا كثرة مشاهدة التلفاز وضعف الأداء المدرسي٬ كما أن  هناك تماثلا بين مشاهدة العنف وقابلية أجرأته على أرض الواقع،  وبخاصة لدى فئات الأطفال والمراهقين الذين  يحملون هذه النزوعات .
  كما تبين الدراسات ما للإشهارات التي تبثها الفضائيات من تأثير في المتلقي٬ فهي تنمي القيم المادية وتعمل على إقناع المستهلكين بأن سعادتهم تكمن في هذه المستهلكات. فالخطاب الٳشهاري يضفي على علاقة الإنسان بالواقع طابع التبسيط والسطحية، حينما يختزل كل مظاهر الحياة في عمليتي الشراء والاقتناء، تغدو عندها هاتين العمليتين الوسيلتين الوحيدتين التي يستطيع بهما الفرد تحقيق توازنه، وتساعده على حل مشاكله.
 لكن الإشهار وبالرغم من مناهضيه،  سيصبح الوسيلة الكبرى للتعبير الأيقوني في عصرنا . إذ يملك أساطيره وخرافاته، مما دفع عددا لا يستهان به من الباحثين للاهتمام بدلالة الصورة وثنائية نص/صورة وجلاء الاستقبال لإرسالية ما وتأثيرها الدلالي : (أعمال رولان بارط حول بلاغة الصورة  الٳشهارية مثلا ).
ضمن هذا المنظور ٬ يناقش دومنيك منكينو(DOMINIQUE MAINGUENEAU  ) الدور الهام للوسيط (Médium) الذي يتمظهر من  خلال الخطابات ماديا: " فالوسيط ليس مجرد  وسيلة، أداة لنقل الرسائل الثابتة،  مادام التحول الهام على مستوى  الوسيط  يعدل مجموع نوع خطابي ما."  . ويرى منكينو أن ظهور وسائل الإعلام السمعية – البصرية وتطور النظام المعلوماتي،  كانا لهما  أكبر الأثر على دور الوسائط٬ " فظهورهما تسبب في قطيعة مع حضارة الكتاب " . فتعديلات الشروط المادية للتواصل السياسي – مثلا – ينعكس على المضامين وطرائق القول ، بل ينعكس حتى على طبيعة ما نسميه خطابا سياسيا. فمع ظهور التلفاز  سيطرأ  تغيير جذري  على مستوى الخطاب السياسي، إذ  سيختزل  دور العروض الفكرية لصالح النقاشات  والحوارات التلفزية التي تؤنس وتجذب المتفرجين؛ " ولا يمكننا القول في ظل هذه الوسائط المتعددة، أننا نتكلم عن نفس النوع الخطابي " . إن التقنيات  المستحدثة  للتسجيل وللنقل المعلوماتي- برأي  منكينو -  استطاعت أن تغير من أنماط التواصل و وضعية الملفوظات الشفوية. فالعالم المعاصر  يتميز بظهور أشكال شفوية جديدة تتجاوز التعارضات التقليدية بين الشفوي والمكتوب أوالمخطوط والمطبوع.
غير أن دراسة آليات التعبير الشفوي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعايير، يحصرها الباحث فيما يلي:
-    " وجود تماس مادي فوري أم العكس بين الباث والمتلقي، أي التعارض  بين المحاورة المباشرة والمحاورة عبر الهاتف أو عبر  برنامج إذاعي "  . في هذا الأخير يبقى منشط البرنامج أو المستمعين غير مرئيين.
-    " الانفتاح  اللامتناهي على عدد المتلقين  نتيجة  غياب التماس المادي " . فعوض وضعية تلفظية بين متحاورين أو مع  جمهور عريض داخل وسط ما (درس، ندوة، عرض...)٬ نجد المذياع أو التلفاز يضعان الباث  والمتلقي في علاقة  يصعب معها  تحديد  عدد المتلقين وهويتهم.
-    " الخاصية الثابتة أو غير الثابتة بين المتحاورين ترتبط بالوسيط " . فالهاتف النقال مثلا، يسمح للمتحاورين   بالتنقل أو فعل شيء خلال المكالمة الهاتفية.
-    " وجود ثلث غير مرئي يميز بعض أنواع الخطابات  ". ففي البرامج التلفزية نجد المتحاورين داخل الأستوديو يتكلمون في ظل غياب جزء كبير من المتفرجين  أو المستمعين، مع أخذهم بعين الاعتبار  لهذا المعطى.
-    "  الملفوظات يمكن أن تكون لحظية أو موجهة للاستهلاك على شكل تسجيلات: قرص متراص (CD) أو شريط للتسجيل ... إلخ " .
-    " تدخل الآلات يلعب دورا  هاما " . فعدد من الملفوظات الشفوية يتم إنتاجها  بواسطة الآلات وليس عن طريق الإنسان ( في الألعاب التلفزية أو الحاسوبية خصوصا).
يمكننا القول، أن الاتصال بالجمهور المتلقي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولاسيما الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون قد خطوا خطوات باهرة، مما عزز انتشار عدد هائل من الخطابات في البيت والشارع والمدرسة، وسائر أنواع المؤسسات. فهي مظاهر حيوية من مظاهر التمدن التي دفعت بالأمة نحو الترقي.
وعلى وجه العموم، كل تلك العناوين العريضة لسائر الوسائط التي ابتدعها الإنسان، قد تختلف في الشكل والدرجة، لكنها لا تختلف عن المضمون نفسه الذي يمكن أن تحمله اليوم كتقنيات لتحسين الأداء الخطابي والارتقاء به وتهذيبه وتطويره شكلا ومضمونا. فكل مرحلة تتميز بنوع من الوسائط والتقنيات التي تتفق معها. وبطبيعة  الحال نحن الآن في عصر أصبحت فيه الوسائط الإعلامية والحاسوبية  هما من يتحكمان  بمصير الإنسانية، بأن تسلط الضوء على جميع مناحي الحياة المعيشة بعد أن أحاطت أنماط استهلاك وإنتاج الفرد ببالغ الاهتمام و

 1 -  (  Dominique Maingueneau (,analyser les textes de communication) . Armand colin2ème édition.2007(page49
 2 -   المرجع نفسه ( صفحة49).
 3 -   المرجع نفسه ( صفحة49).
 4 -   المرجع نفسه ( صفحة58).
 5 -   المرجع نفسه ( صفحة58).
 6 -   المرجع نفسه ( صفحة58).
 7 -   المرجع نفسه ( صفحة58).
 8 -   المرجع نفسه ( صفحة59).
 9 -   المرجع نفسه ( صفحة59).