|

حوار وتفاوض وتواصل
أ. علي العبيد
يميل الإنسان بطبيعته إلى التواصل مع الآخرين؛ لذلك يكتسب الحوار أو التفاوض أهمية قصوى لتحقيق هدف محدد أو تأكيد فكرة بعينها.
وتأتي اللغة في المرتبة الأولى ضمن الوسائط التي يوظفها البشر في التواصل ونقل الأفكار والثقافات، وبالتالي كلما كانت اللغة ثرة وغنية.. كلما انتقلت مدلولاتها الثقافية إلى شعوب العالم أجمع وبالمقابل كلما ضعفت اللغة ضاعت حضارتها وأصبحت من الماضي المضمور .. وعليه لا بد أن تواكب اللغة متطلبات العصر واحتياجات البشر لتظل قوية ومؤثرة ومتأثرة..
ولقد ظلت اللغة العربية بأدائها الرحب نبراساً يضيء معالم الطريق وما فتئت تؤدي دورها المهم حضارياً وثقافياً وستبقى هكذا ما دامت هي لغة القرآن الكريم، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
لذلك أرى أنه ليس من سبب واحد يجعل بعض المشفقين يخافون اندثارها وسط زخم اللغات الأخرى وإن كان هذا بالطبع لا يمنع أن نشجع مبدأ الاستفادة من الثقافات الأخرى من خلال تعلم لغات حديثة وغنية بمدلولاتها الحضارية والمدنية في مجالات العلم الحديث والتقنية العصرية.. وتضل القيم والموروثات الأصيلة المرتبطة بسلوكياتنا وثقافتنا العريقة هادياً وحارساً لمسيرتنا نحو التقدم والتنمية المستدامة. ومن هنا ندلف إلى محور موضوعنا.. وأعنى الحوار كأسلوب تفاوضي.. إن هذا الأسلوب يتسم بضوابط وقواعد لا بد من التقيد بها وصولا إلى نتائج ايجابية لخدمة المجتمع والإنسان كأثمن رأس مال مستثمر في دنيا المال والاقتصاد.
إن مقولة نصف رأيك عند أخيك تطابق الواقع العملي.. لأنه من المفترض أنك تحاور وتفاوض ليس لمجرد النقاش واستعراض العبارات المعقدة.. بل يتوجب أن يكون مرتكز حوارك المنطق وتقبل الرأي الآخر بما يفيد طرفي النقاش ولابد أن ينأي كل طرف عن سلبيات ونواقص الطرف المقابل.. بل عليه أن يعزز جوانب القوة فيه مما يثري مجرى الحديث والحوار.
انطلاقاً من مبدأ أن رأيك صواب قد يحتمل الخطأ ورأي أخيك خطأ قد يحتمل الصواب, في رأيي أن هذه قاعدة ذهبية يستفيد منها دوماً وأبداً كل باحث ومثقف.. وليكن من المعلوم أن علو الصوت في الحوار لا يعنى بالضرورة سلامة المنطق.. بل قد يكون العكس تماماً لان قوة المنطق تعتمد على تقديم الأدلة والبراهين المقبولة علمياً وعملياً دون الحاجة إلى رفع الأصوات فيما لا يفيد.
ولا يفوتني في هذا الجانب أن أشير إلى أهمية تحديد الوقت لطرح الفكرة والرؤية دون أن يستحوذ أي من طرفي الحوار على المسار الزمني المحدد لكل منهما.. لأن توزيع الزمن العادل بين المتحاورين يضفي نوعاً من الراحة والطمأنينة لعرض الآراء ووجهات النظر بكل ثقة دون حرج أو مضايقة طالما أن ذلك في إطار الضوابط والمبادئ والسلوكيات اللائقة إلى يؤمن بها المجتمع عموماً. وأقول أن الإعداد الجيد لمحاور النقاش من أنجع الأساليب العلمية لأنها تتلمس حقائق وأهداف الموضوع المقرر بحثه ودراسته بدلاً من التخبط بصورة عشوائية تذهب بمعالم الحوار أدراج الرياح.. وينزلق الناس إلى جدل بيزنطي.. لا يفضي إلى شيء عدا التجريح والمهاترات اللفظية والتي لا تلائم الذوق العام والمنطق السليم..
لذلك يوصي أصحاب التجارب الناجحة أن يتم التركيز خلال الحوار على الجوانب المتفق عليها أولاً لدعمها ودفعها عملياً إلى الإمام.. لان الاتفاق المبدئي في مستهل الحوار يولد شعورًا ايجابيًا يسهل عملية التفاهم حول الجوانب الشائكة من الحوار لاحقاً.
نخلص في هذا العرض الموجز.. أن الحوار الحضاري يعجل بنتائج وحلول مفيدة في كافة مجالات العمل ويسهم في إيجاد الآليات وأساليب التشغيل التي تؤسس لمعدلات عالية من الخدمات المؤداة وبالتالي زيادة الإنتاج ورفع نسب التنمية وازدهار ورفاهية المجتمع كله.
عُمان
|
|
|
|