العربية لكل العصور

أ. باسمة يونس

اللغة هي كل القيم الثقافية والعلمية والإنسانية، لأنها الهوية الكبرى القادرة على صياغة وجود الشعوب، وضياعها يعني ضياع هذه الهوية أي ضياع كل ما تعنيه للانسان من تاريخ وحضارة .
ولا يضر باللغة قدر التضييق عليها من خلال تكليف المختصين بها واللغويين فقط الاهتمام بها، من منطلق أنهم أدرى بشعابها وبأنها جزء من اهتمامات خاصة وليست الكل .
ولا شيء يؤثر في قيمة اللغة العربية ومفهومها الأشمل والأكبر الذي يجب تعميمه في المجتمعات وبين كل الشعوب والمقيمين في الدول العربية، سوى التشدد في استخدامها وفي فرض قواعدها الى درجة تنفير الناس وإبعادها عن حياتهم اليومية .
وحب اللغة العربية يجب أن يسبق مبدأ حمايتها والمحافظة عليها وليس ذلك بأمر صعب التحقيق، عند تحويل هذا المشروع إلى مشروع مجتمعي كبير، يخرج اللغة نفسها من عباءة جهات التخصص اللغوي، بحيث يعم استخدامها وتجمع اهلها حولها مع ترغيب غير الناطقين بها ليس في التحدث بها فقط، بل والفخر بمعرفة كل ماتملكه من تاريخ وقيم وحضارة .
واللغة العربية تحديداً، لغة محفوظة بالدين والتاريخ والحضارة، ومخلوقة مسبقاً لتكون لغة حضارة مستمرة وليست لغة عصر معين، وهي تواجه تحديات نفسية أكثر من مواجهتها للتحديات اللغوية، ومثل هذه المواجهات لن تضعف أصولها ولن تتمكن من التقليل من اهميتها وأهمية وجودها على الاطلاق، وأقل ماعلينا عمله، هو عدم الترويج لفكرة ضعف اللغة أو امكانية انهيارها، فهي ليست بتلك الضآلة ولا يمكن أن تصبح عليها .
ونجحت اللغة العربية على الدوام في تقديم الثقافة للجميع عبر أبنائها من المتخصصين وغيرهم من العلماء والكتاب في مجالات أخرى، والدليل على ذلك المراجع وأمهات الكتب الزاخرة بالعلوم والفوائد التي وإن كانت مكتوبة بالعربية، فإنها تحوي كل ماتشمله الثقافة من أدب وفن وعلم وفكر وفلسفة وتاريخ ومناهج ودروس وأكثر من ذلك بكثير، ويكفي أن نعلم بأن الغرب يستنبطون أفكارهم وعلومهم وتقدمهم العلمي من مراجعنا المكتوبة بلغتنا، وهو ما يعني اهتمامهم بتعلمها أولاً بغرض ترجمتها الى لغاتهم .
إن التحديات التي قد تواجه اللغة العربية سهلة المواجهة، بدءاً بإخراجها من ظلم التقنين الذي يحدد استخدامها في مجالات التعليم والإعلام، ووضعها بين أيدي الناس، ولايعني تبسيطها التقليل من شأنها، بل يؤكد مطواعيتها ومرونتها وجاهزيتها للاستخدام في كل زمن وفي كل مجالات الحياة .
وما على المتخصصين سوى تطوير المعاجم لمسايرة العصر وكسب التضامن المجتمعي لدعمها، وإشراك كل الفئات والتخصصات وكل من يعيش في أي مجتمع عربي في حمايتها، عبر الاطلاع على محتوياتها من تاريخ وتراث وفكر وحضارة مشرقة .

الخليج