
تبيان الترداد في لغة الضاد
د. محمد الأمين خلادي
أ _ الحد اللغوي :
الترداد بين المعجم و المصطلح : إن الولوج في هذا المصطلح و في حيثياته، يتطلب منا سوق جملة من شروح المعجميين و الدراسين اللغويين لمادة : رد ، حتى يتسنّى لنا الإحاطة بهاته المادة وتحولاتها المستوياتية، و كيف صيغت، و ممّا اشتُقّت و فيما وُظِّفت و إلام قصدت .
ورد في القاموس المحيط » ردّ رداّ و مردّاً و مردوداً و ردّيدي ، صرفه... و الترداد الترديد... و الارتداد الرجوع « .
و جاء في اللسان » ردّد ، الردّ : صرف الشيء و رجْعُه و الردّ مصدر رددت الشيء ، وردّهُ عن وجهه ، يردّه ردّاً و مردّاً و ترداداً : صرفه ، و هو بناء للتكثير ... قال شمّر : الردّة العطفة عليهم والرغبة فيهم ، و ردّدهُ ترديداً و ترداداً فتردّد »
و في معجم الألفاظ و الأعلام القرآنية » ردّه عن كذا صرفه و أرجعه ... و رادّهُ الشيء أرجعه إليه ... (ثم رددناه أسفل سافلين) التين ، الآية 5 « .
و تعرفه إنعام فوال عكاوي، صاحبة المعجم المفصل في علوم البلاغة بقولها:» الترديد من الردّ، مصدر رددت الشيء: صرفته، و الترديد إعادة الشيء « .
و قد أوردت المعاجم الاصطلاحية العلمية و اللغوية و اللسانية هذه المادة ، كورودها في قاموس المصطلحات اللغوية و الأدبية : » الترديد : Répétition , Repetition « ، و في المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات : » ترديد : Antanaclasis « ، و أما في معجم عبد النور الحديث فقد ورد لفظ الترداد كما يلي : » ترداد : Répulsion réitérée , , Répétition ,Réitération ، تردد : ردّد الكلام : Serépéter «.
ذاك عن الشرح المعجمي اللغوي للترداد، أما عن المعاني و المفاهيم و التعريفات الاصطلاحية، فقد تشابهت و تقاربت تارة و اختلفت و تخالفت تارات أخرى ، و لعل مردّ ذلك يكمن في إشكالات المصطلح التي تطال كل بحث أدبي أو لغوي ، إلا أنها ظاهرة طبيعية لا تخلّ بغاية هذا البحث أو ذاك .
و من العوامل التي نحسبها سببا لهذا عاملا الزمان و المكان، فكثيرا ما يتفق عالمان حول مضمون ظاهرة أدبية ما و لكنهما يختلفان في تحديد المصطلح الخاص بها لعدم اجتماعهما في بقعة واحدة أو في حقبة واحدة. أضف إلى ذلك أثر البيئة الاجتماعية و الثقافية في تركيب الدالّ و حمله على المدلول.
كما أن المادة اللغوية لأي نص أدبي قد تملي على الدارس وضع مصطلح محدد بعينه ؛ دون غيره، فدارس التكرار في الجانب البلاغي مثلا قد يختلف مع دارس التكرار في جانبه اللغوي من حيث تحديد المصطلح .
ثم إن طبيعة الطرح الموسوعي التي شاعت عند علماء العربية قديما كانت تفرض على العالم بسط دقائق الظاهرة اللغوية و الاجتهاد و الاستطراد فيها مما قد يتولد عنه وضع مصطلح يختلف عن غيره.
و كما هو الحال أيضا عند الدارسين المحدثين؛ فما من بحث أو دراسة إلا و أُثيرت مشكلة المصطلح و وجد الباحث نفسه في توزّع بين الأخذ من موروثه الأدبي، و بين تحصيله المعرفي عند الغرب و بين اجتهاده الشخصي الصرف، لأجل هذا و حتى لا يضيع معنا القارئ في حمأة هذا المعترك الاصطلاحي، ارتأينا أن ننير له طريقا نراها أجدر و أقرب إلى درْك المبتغى؛ فسنعرض جملة ممّا تهيأ لدينا من تعريفات و مفاهيم قديمة و حديثة لمفهوم الترداد معنىً لا اصطلاحاً، مفصّلين القول في بعضٍ منها، وموجزين في البعض الآخر. كما تجدر الإشارة هنا إلى أننا اعتمدنا -بقوة- في تفصيل هاته الأجناس البيانية و الفنون البلاغية المعجمَ المفصّل في علوم البلاغة للدكتورة إنعام فوّال عكّاوي ، لجمعه مختلف الآراء والتفاسير و أحسنها و أدقها .
ب _الحد الاصطلاحي :
يقول العلامة سيبويه في معرض حديثه عن عمّا لحقته الزوائد من بنات الثلاثة من غير الفعل: »وليس في الكلام مفعال و لا فعلال و لا تفعال إلا مصدرا، و ذلك نحو: الترداد و التقتال «
أما الإمام السيوطي فقد بسط القول في هذا؛ عند تفصيله لصيغ المزيد من الثلاثي المضعّف ، حينما أورد صيغة تفعال، و ضرب لها مثالا بقوله: » و تفعالٌ:تردادٌ «
و يقول في كتابه الإتقان في علوم القرآن : » التكرير و هو أبلغ من التأكيد و هو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط، و له فوائد منها التقرير، و قد قيل الكلام إذا تكرّر تقرّر ، و قد نبّه تعالى على السبب الذي لأجله كرّر الأقاصيص و الإنذار في القرآن بقوله : و صرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكراً ، و منها التأكيد، و منها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقّي الكلام بالقبول… ومنه ما كان لتعدد المتعلّق بأن يكون المكرّر ثانياً متعلّقاً بغير ما تعلّق به الأول، و هذا القسم يسمّى بالترديد، كقوله : الله نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي ، و قع فيها الترديد أربع مرّات و جعل منه قوله : فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان ، فإنها و إن تكرّرت نيفاً و ثلاثين مرة فكل واحدة تتعلّق بما قبلها و لذلك زادت على ثلاثين و لو كان الجميع عائداً إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها ، قاله ابن عبد السلام و غيره ، و إن كان بعضها ليس بنعمة فذكرُ النقمة للتحذير نعمة، (و قد سئل) أي نعمة في قوله : كل من عليها فان، (فأجيب) بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور و إراحة المؤمن و البار من الفاجر وكذا قوله : و يل يومئذٍ للمكذّبين ، في سورة المرسلات، لأنه تعالى ذكر قصصاً مختلفة و أتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ويل يومئذ للمكذّبين بهذه القصة ، و كذا قوله في سورة الشعراء: (إن في ذلك لآية و ما كان أكثرهم مؤمنين و إن ربك لهو العزيز الرحيم)، كرّرت ثماني مرات ، كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها و ما اشتملت عليه من الآيات والعبر ، و قوله و ما كان أكثرهم مؤمنين إلى قومه خاصة و لما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصفَيْ العزيز الرحيم، للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم و الرحمة لمن آمن ، و كذا قوله في سورة القمر: و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر، و قال الزمخشري كرّر ليجدوا عن سماع كل نبأ منها اتّعاظاً و تنبيهاً ، و أن كلا من تلك الأنباء يستحق لاعتبار يختصّ به و أن ينتبهوا كي لا يغلبهم السرور و الغفلة !! «
و يزيد التفصيل بقوله : » التكرير؛ و هو أبلغ من التأكيد .. و له فوائد : منها إذا طال الكلام وخُشيَ تناسي الأول أُعيدَ ثانيا تطريةً له و تجديداً لعهده ؛ و منه : ثم إن ربّك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك و أصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ، النحل،119 ، … إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين، يوسف،4 ، و منها التعظيم و التهويل نحو : الحاقّة ما الحاقّة، القارعة ما القارعة . و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين… و من أمثلة ما يُظنُّ أنه تكرار وليس منه : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، الكافرون،2 … و منه تكرير حرف الإضراب في قوله : قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ، الأنبياء،5 ، … و من ذلك تكرير الأمثال كقوله : و ما يستوي الأعمى و البصير ولا الظلمات و لا النور و لا الظلّ و لا الحرور و ما يستوي الأحياء و لا الأموات ، فاطر،19، 20 ... ومن ذلك تكرير القصص كقصة آدم و موسى و نوح و غيره من الأنبياء. قال بعضهم : ذكر الله موسى في كتابه في مائة و عشرين موضعا … و قد ألّف البدر بن جماعة كتاباً أسماه المقتنص في فوائد تكرير القصص ، و ذكر في فوائده :
أن في كل موضع زيادة شيء لم يُذكر في الذي قبله ، أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة؛ و هذه عادة البلغاء … و منها : أن إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة و أساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة «
أما عن الترديد فهو عنده من جهة كونه لقباً من ألقاب البديع : » أن يورد أوصاف الموصوف على ترتيبها في الحلقة الطبيعية و لا يدخل فيها وصفا زائدا؛ و مثله عبد الباقي اليمني بقوله تعالى : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ، غافر،67 ، إلى قوله : ثم لتكونوا شيوخا ، غافر،67 ، وبقوله : فكذبوه فعقروها ، الشمس،14 الآية «
لا نظن أن أحدا يتأمل هذه الأقوال فيجرؤ على ادّعاء الإحاطة الكاملة، و التمييز الدقيق لما احتوته من خيوط رفيعة حيكت بها جملة من المفاهيم و المعاني المتشابهة و المتداخلة؛ كالتكرير و التقرير و التأكيد و التنبيه و الترديد.. فهذه الدقائق الفنية و سواؤها كثير، هي مما نعتقده أنواعا لظاهرة بيانية فنية كلية؛ هي الترداد.. و حتى لا نستبق الحكم و التقرير فيما نعتقده ، و كي لا يُظنُّ بنا العبث و الاختلاف أو التحذلق ، فسنضيف أقوالا أخرى لما أوردناه ، حتى يتبين القصد.
يسوق الجاحظ لفظ الترداد في حديثه عن ذكر طائفة من البلغاء و الخطباء بقوله » و جملة القول في الترداد، أنه ليس فيه حدّ ينتهى إليه، و لا يؤتى على وصفه ، و إنما ذلك على قدر المستمعين ومن يحضره من العوام و الخواص. و قد رأينا الله عز و جل ردّد ذكر قصة موسى و هود و هارون وشعيب وإبراهيم و لوط و عاد و ثمود، و كذلك ذكر الجنة و النار و أمور كثيرة ؛ لأنه خاطب جميع الأمم من العرب و أصناف العجم، و أكثرهم غبيّ غافل، أو معاند مشغول الفكر، ساهي القلب.
و أما أحاديث القصص و الرقّة فإني لم أر أحداً يعيب ذلك، و ما سمعنا بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الألفاظ و ترداد المعاني عيّاً «
و بهذا المعنى يكون الترداد ظاهرة بيانية مفتوحة الأطراف؛ لا تدركُ حوافها و لا أوصافها إلا بقدر ما تتناهى إليه أسماع الحاضرين من العوام و الخواص.
و كذلك ينحو الإمام شمس الدين بن القيم الجوزية نحو ابن قتيبة معتمدا التكرار كمصطلح فني لهذه الظاهرة البديعة، إلا أنه أكثر تفصيلا و تدقيقا، فحقيقة التكرار عنده هي: » أن يأتي المتكلم بلفظ ثم يعيده بعينه سواء كان اللفظ متفق المعنى أو مختلفاً، أو يأتي بمعنى ثم يعيده و هذا من شرطه اتفاق المعنى الأول والثاني، فإن كان متّحد الألفاظ و المعاني، فالفائدة في إثباته تأكيد ذلك الأمر، و تقريره في النفس وكذلك إذا كان المعنى متحداً. و إن كان اللفظان متفقين و المعنى مختلفاً فالفائدة في الإتيان به الدلالة على المعنيين المختلفين… فأقسامه ثلاثة. الأول ما يتكرر لفظه و معناه متحد. الثاني ما يتكرّر لفظه و معناه مختلف . الثالث ما يتكرر لفظه معنىً لا لفظاً: أما ما يتكرر لفظه و معناه متّحد فمنه قوله تعالى: فقُتِل كيف قدّر ثم قُتِل كيف قدّر … و أما ما تكرّر لفظه و معناه مختلف فمنه قوله تعالى : و يريد الله أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل… و أما تكرار المعنى دون اللفظ فهو إما أن يكون بين المعنيين مخالفة ما أو لا يكون كذلك، فأما ما يكون أحدهما أعم فكقوله تعالى : و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر . فإن الدعوى إلى الخير أعم من الأمر بالمعروف… و أما الذي لا يكون أحد المعنيين أعمّ فكقول حاطب بن أبي بلتعة : و الله يا رسول الله ما فعلت ذلك كفراً و لا ارتداداً عن ديني و لا رضاً بالكفر بعد الإسلام … و أما الذي لا يكون بين المعنيين مخالفة فكقوله تعالى :وإن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفور رحيم «
و لقد أورد أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين عدّة معان و مفاهيم فقال » … و القول القصد أن الإيجاز و الاطناب يُحتاجُ إليهما في جميع الكلام و كل نوع منه : و لكل واحد منهما موضع.. فالحاجة إلى الإيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في مكانه… المجاورة : تردّد لفظتين في البيت ووقوع كل واحدة منهما بجنب الأخرى أو قريبا منها من غير أن تكون إحداهما لغواً لا يُحتاجُ إليها.. وذلك كقول علقمة:
و مطعم الغلم يوم الغلم مطعمه أنّى توجّه المحروم محروم «
فمن خلال هذا القول تنبجس أنواع أخرى و معان جديدة للترداد، كالإطناب و المجاورة؛ فكما أن للإيجاز حاجة إذا كان في موضعه، فللإطناب حاجة أيضا إذا ورد في مكانه، فإذا كان الوصول إلى الغاية المبتغاة لا يتم إلا بالإطناب؛ فلا يعني و لا يمكن أن يفهم من هذا أبدا أن الإطناب عي أو عيب أونقيصة … و لعل بيت علقمة الذي تمثله أبو هلال العسكري، لخير مثال يُحتجّ به في هذا المقام.
و لقد تطرقت إنعام فوّال عكاوي إلى مفهوم الإطناب و أنواعه كالإطناب بالتكرير و الإطناب بالتكميل و الإطناب بالتوشيع و الإطناب بذكر الخاص بعد العام و الإطناب بالزيادة ، مستعرضةً بعض أقوال المنظّرين القدامى بقولها:» قال الفرّاء: و الكلمة قد تكررها العرب على التغليظ و التخويف «
أما عن الترديد فلقد استجْمَعَتْ بعضاً من أقوال المنظّرين بقولها : » عرّفه الحاتمي في حلية المحاضرة فقال: الترديد هو تعليق الشاعر لفظة في البيت متعلّقة بمعنىً ثم يردّدها فيه بعينها و يعلّقها بمعنىً آخر في البيت نفسه… و سماه التبريزي و البغدادي التعطّف و عرّفاه بتعرف أقرب إلى تعريف ابن رشيق القيرواني و أمثلته . أما أسامة بن منقذ فقد سماه التصدير و عرفه بقوله: باب الترديد، و يُسمى التصدير ، والترديد هو ردّ أعجاز البيوت على صدورها، أو ترد كلمة من النصف الأول في النصف الثاني… و ذكر ابن أبي الأصبع أن من الترديد نوعاً آخر و هو ترديد الحبك و يُسمّى البيت المحبوك وعرّفه فقال : أن تبني البيت من جمل ترد فيه كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية و كلمة من الثالثة في الرابعة، بحيث تكون كل جملتين في قسم و الجملتان الأخيرتان غير الجملتين الأوليين في الصورة والجمل كلها سواء في المعنى… و قد جاء تعريف كل من العلوي و ابن مالك و النويري و الحلبي ، وابن الأثير الحلبي ، والمظفّر العلوي و السبكي و السيوطي و الزركشي و المدني و ابن معصوم كالتعريف المتقدّم الذكر «
و أما عن التكرار فهو» ما يقوّي الوحدة و التمركز و يظهر في تناوب الحركة و السكون أو تكرّر الشيء على أبعاد متساوية. و في ترديد لفظ واحد أو معنى واحد و هو الترجيع ، ترجيع البداية في النهاية، ترجيع القرار في الغناء، رد العجز على الصدر في الشعر، ترجيع النوتة الواحدة في الموسيقى، و العود المتواتر إلى شيء بعينه . و التكرار كثير الشيوع في الفن و قلّ ما نجد أثراً فنّياً لا تتكرّر فيه أجزاء متقاربة أو متباعدة. و منه الترجيع المتّسق أو الإيقاع (ريتم Rythme) «
و قد خصّص الدكتور عبد العال سالم مكرم فصلاً للترادف و التكرار فذكر أن» التأكيد بالتكرار لفظاً و معنىً و هو ما يُطلقُ عليه مصطلح التكرار، فهو توكيد لأنه إعادة الكلمة أو الجملة باللفظ و المعنى معاً، فهو من صميم التوكيد، و هذا التكرار يشبه الترادف من حيث إن الترادف اتفاق المعنى واختلاف اللفظ بمعنى أن اللفظ المكرر مكررٌ في المعنى، و ليس مكرراً في صورة اللفظ الأول، لأن اللفظ الثاني ليس هو اللفظ الأول مع وجود المعنى الواحد في كلا اللفظين. أما التكرار فهو تكرير المعنى و اللفظ معاً، بحيث تكون الكلمة الثانية المكررة هي الكلمة الأولى نفسها، أو الجملة الثانية المكررة هي الجملة الأولى بذاتها. فهناك علاقة بين التكرار و الترادف بحيث إن كلا منهما تكرار، كما أن هناك اختلافاً بينهما من حيث إن التكرار هو تكرار اللفظ نفسه أو الجملة ذاتها «
و عن تكرار اللفظ و المعنى في القرآن الكريم، يضيف الدكتور عبد العال سالم مكرم: » في حديث ابن رشيق عن التكرار في اللفظ و المعنى نصَّ على أن : من المعجز من هذا النوع قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان ، كلما عدّد منّة أو ذكر بنعمة كرر هذا. و بيان إعجاز هذا التكرار سطّره العلوي في كتابه الطراز مبيّناً أن هذا التكرار له أسرارٌ لا يدركها إلا ذوو الأبصار، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، و اللسان العربي قد يجنح إلى التكرار لما يحتويه من فائدة، و يضمّه من معان، و هو في عرضه لفوائد هذا التكرار في القرآن الكريم يوجّه نقده اللاّذع لهؤلاء اللذين ينكرون التكرار في القرآن… يقول العلوي: و من أجل ورود التأكيد من جهة اللفظ و المعنى و التكرير في كتاب الله تعالى ظنّ بعض من ضاقت حوصلته و ضعفت بصيرته عن إدراك الحقائق، أنه خال من الفائدة و ألاّ معنى تحته إلا مجرد التكرير لا غير. و هذا خطأ و زلل، فإن كتاب الله تعالى لم يبلغ حدّ الإعجاز في البلاغة و الفصاحة سواه من بين سائر الكلمات. و لو كان فيه ما هو خال عن الفائدة بالتكرير لم يكن بالغا هذه الدرجة، و لا كان مختصّاً بهذه المزية، و أيضاً فإن سائر الكلمات التي هي دونه من الرتبة قد يوجد فيها التكرير مع اشتمالها على الفائدة فكيف هو؟ و نحن الآن نعلو ذروة لا يُنال حضيضها في بيان معاني الألفاظ المكررة في لفظها ومعناها في كتاب الله تعالى . و تُظهر أنها مع التكرير أن تكريرها إنما كان لمعانٍ جزلةٍ، ومقاصد سنية. بمعونة الله تعالى «
و كذلك خصّ الدكتور صبحي إبراهيم الفقي فصلاً؛ عن التكرار يقول فيه أنه » من الظواهر التي تتّسم بها اللغات عامّة، و اللغة العربية خاصة. و لا يتحقّق التكرار على مستوى واحد؛ بل على مستويات متعددة، مثل تكرار الحروف، و الكلمات، و العبارات، و الجمل، و الفقرات، و القصص أو المواقف كما هو واقع في القرآن الكريم… فمن معانيه الرجوع. و يُلاحظ أن علاقة التكرار تشمل الإحالة القبلية أو السابقة بالرجوع لما سبق ذكره في النص بتكراره مرة أخرى و من معانيه كذلك : البعث و تجديد الخلق بعد الفناء… و يذكر الرضي كذلك معنى التكرار قائلاً : (التكرير ضمّ الشيء ) إلى مثله في اللفظ مع كونه إياه في المعنى للتأكيد و التقرير… و قد جعله ديفد كريستال واحداً من عوامل التماسك النصّي، و جعل له مصطلح Repeated و ذكر أنه (التعبير الذي يُكرر في الكل و الجزء) وأضاف غيره مصطلحاً آخر هو Recurrence … و نستطيع أن نذكر تعريفاً للتكرار يضمن وظيفته النصّية بالقول بأن التكرار هو إعادة ذكر لفظ أو عبارة أو جملة أو فقرة، و ذلك باللفظ نفسه أو بالترادف و ذلك لتحقيق أغراض كثيرة أهمها تحقيق التماسك النصّي بين عناصر النص المتباعدة «
يفرّق الدكتور البدراوي زهران بين نوعين من التكرار؛ التكرار الوارد في كلامنا نحن البشر ، والتكرار المعجز القرآن الكريم؛ إذ أن» ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ظاهرة لافتة للنظر ، ففي كلامنا نحن البشر عندما يفرض علينا موقف لغوي وحدات لغوية بذاتها، أو موقعية بعينها: قد لا تُسعفنا القريحة بغيرها، سواء حدث لنا ذلك في مواقف الحياة العامة عندما تتفاعل اللغة بالمجتمع في خضم الواقع اليومي أو حتى إن حدث لنا ذلك في مواقف الإبداع الفني التي يعايش فيها الأديب الكلمة.. و قد تستغرقه حالماً متأمّلاً.. فإن ما يُفرض علينا من حالات تكرار لكلمات أو عبارات أو جمل.. قد نجد فيها ما يُعدّ نقيصة تتناوله الألسنة و الأقلام.. أو ما قد يكون مثار سخرية.. بل إن تكرارنا لبعض القصص في مواقف التسلية قد يكون مدعاة ملالة و سأم أو رفض.. و لكن الشيء الذي يلفت النظر أن التكرار في القرآن الكريم تستريح له النفس و يقبله الطبع و يحسّ المستمع له باستجابة يدرك عمقها كما يدرك بقية المظاهر المحبّبة من ملاحة و جمال و طيب نغم و استقامة وزن و سلامة طبع و غير ذلك «
و في دراسة للأستاذ عبد القادر بوزبدة عن التكرار يقول: » و من بين الظواهر الأسلوبية التي يبدو أنها تميز النص الشعري ظاهرة التكرار، التي يرى البعض أنها المبدأ الذي ينبني البيت الشعري على أساسه…فقد ظهرت دراسات سابقة على قدر كبير من الأهمية حول ظاهرة التكرار لعل من أهمها، فيما أعلم، دراسة يوري لوتمان Youri Lotman المتضمنة في كتابه (بنية النص الفني) و سأستعين ببعض الأفكار و المبادئ التي صاغها هذا العالم الفذ: إن كل نص يتكون باعتباره تأليفا تركيبيا لعدد محدود من العناصر (الحروف مثلا). لهذا فإن التكرار يصبح أمرا لا مفر منه. عندما نعتبر النص نصا فنيا، فإن كل العناصر المكونة له و طريقة انتظامها داخله تصبح دالة، و يجب افتراض المعنوية فيها، تأسيسا على هذا، فإن التكرار، أي تكرار، لا يمكن أن يكون شيئا زائدا أو عارضا بالنسبة للبنية، و لذا، فإن تصنيف مختلف أنواع التكرار و انتظامها داخل النص يصبح أمرا ضروريا لإدراك الخصائص الأساسية التي تميز بنية ذلك النص.
و التكرار مستويات و أنواع: فهناك التكرار الصوتي و اللفظي و الوزني و الإيقاعي والاستبدال وشبه التكرار …الخ «
و يعدّ الدكتور نور الدين السدّ التكرار بأنه :» من الظواهر الأسلوبية المحدثة لفاعلية الأثر الشعري، و تتحقق عبر التكرار جملة من الوظائف أهمها إثارة انتباه المتلقي و تكثيف الإيقاع الموسيقي في النص الشعري و توكيد الظاهرة المكررة و التعبير عن مدى أهميتها بالنسبة للسارد الشعري … فالتكرار البسيط هو تردد الكلمة في سياقات متعددة سواء كانت اسما أو فعلا أو حرفا.
إن ما يلفت انتباهنا بعد قراءتنا لهذه التعريفات، هو اقتصارها –في الغالب- على تعريف الترداد ضمن تمظهرين اثنين للبيان العربي، هما النص المكتوب و البيان الصوتي، و على نمطين بيانيين هما القرآن الكريم و الشعر، و لعلّ السبب في ذلك هو أن منشأ الترداد يعود إلى كونه ظاهرة بيانية تجلّت أول ما تجلّت في الفضاء الصوتي، أي إن أولى بدايات تشكلها قد برزت في تركيبات صوتية لفظية تمثلت في قول الشعر و نظمه؛ ثم في تلاوة القرآن و تلقينه.
و رغم أن البيان العربي قد وُسم بلغة الإيجاز إلا أن غايات عدّة كانت تحوج الشاعر إلى تبليغ رسالته اضطرّته إلى اعتماد الترداد كوسيلة لا غنى عنها، و لأجل ذلك لجأ الدارسون قديمهم و حديثهم إلى تأسيس و تحليل هذه الظاهرة في ضوء المناهج البلاغية التي كان سائدة وقتئذ، و التي دأب عليها بعض المتأخرين في رؤاهم و قراءاتهم الجديدة؛ و ينبغي الإشارة هنا بعد تمحيصنا لجلّ المصطلحات التي وردت في التعريفات السابقة لهذه الظاهرة البيانية إلى أن الترداد بوجهه الاصطلاحي الذي نحن بصدد تأسيسه ومحاولة تحديد معالمه الآن، كان مقصورا على مصطلح التكرار الذي درج على ألسنة الدارسين القدامى، وإن ما انضوت تحته من مصطلحات فرعية شتّى كالترديد و التصدير و التعطف و التكرير ورد العجز على الصدر… ما هي إلا أنواع نعدّها تبعاً للترداد ؛ حينما يتمظهر البيان في نص مكتوب أوصوت مسموع. ولعلّ مقاييس ثلاثة كانت تحكم قراءة النص حينذاك هي التي تولدت عنها تلك التفريعات الاصطلاحية؛ مقياس المبنى دون المعنى، و مقياس المعنى دون المبنى، ثم مقياس المبنى والمعنى معا.
كما أن انمياز البيان العربي بثروته اللغوية الفذّة و غزارة أبنيته اللغوية و غنى صوتياته كالاشتقاق مثلا، كان لها كبير الأثر في حرية وضع المصطلح.
و لعلّ من أسباب ذلك أيضا؛ تنافس علماء العربية و دارسيها في صناعة المصطلح إظهارا للحقيقة و تحرّيا للدقّة و تحاشيا للّبس.
و لا يغيبنّ عن لبّ القارئ أن إعجاز البيان القرآني هو الذي ازدادت به قرائح الفطاحلة البلغاء تفتّقا و تدفّقا، فبه ازدانت العربية جمالا و بيانا، و منه استمدّت قوتها فامتدّت طويلا و دامت أسمى لغة وأفصح لسان.
و المتأمل في تعريفات المحدثين يلفيها استقت مادّتها من دراسات الغرب و نظرياتهم النقدية الحديثة كاهتمامهم بالدرس الألسني و علم النص و الخطاب، و التناص…، مما أضفى على هذا المصطلح رؤى و قراءات جديدة أسهمت في تعميق تلك الطروح القديمة، و هذا ما أفرد هذه الظاهرة البيانية بالتميّز والاستقلالية؛ بدليل أن ما أنجزته الدراسات الحديثة من تأصيلات و تنظيرات في الظاهرة اللغوية، قد دعّم ما ذهب إليه الأقدمون في أن الترداد هو مزية لغوية، بها ينتظم الخطاب و تتماسك أجزاؤه و تتأكد معانيه، وليس عيبا أو عيا، كما وسمه بعض الدارسين خطأ.
إن هؤلاء الدارسين لم يجنحوا إلى خلاف ما أثله الأوائل، فكلاهما يتفق على أن للترداد وظائف عديدة و فوائد جمة أعظمها استحضار المتلقي و إشراكه كفاعل ثان في هذه الظاهرة البيانية.
إن ما يلفت انتباهنا بعد قراءتنا لهذه التعريفات، هو اقتصارها –في الغالب- على تعريف الترداد ضمن تمظهرين اثنين للبيان العربي، هما النص المكتوب و البيان الصوتي، و على نمطين بيانيين هما القرآن الكريم و الشعر، و لعلّ السبب في ذلك هو أن منشأ الترداد يعود إلى كونه ظاهرة بيانية تجلّت أول ما تجلّت في الفضاء الصوتي، أي إن أولى بدايات تشكلها قد برزت في تركيبات صوتية لفظية تمثلت في قول الشعر و نظمه؛ ثم في تلاوة القرآن و تلقينه.
و رغم أن البيان العربي قد وُسم بلغة الإيجاز إلا أن غايات عدّة كانت تحوج الشاعر إلى تبليغ رسالته اضطرّته إلى اعتماد الترداد كوسيلة لا غنى عنها، و لأجل ذلك لجأ الدارسون قديمهم و حديثهم إلى تأسيس و تحليل هذه الظاهرة في ضوء المناهج البلاغية التي كان سائدة وقتئذ، و التي دأب عليها بعض المتأخرين في رؤاهم و قراءاتهم الجديدة؛ و ينبغي الإشارة هنا بعد تمحيصنا لجلّ المصطلحات التي وردت في التعريفات السابقة لهذه الظاهرة البيانية إلى أن الترداد بوجهه الاصطلاحي الذي نحن بصدد تأسيسه ومحاولة تحديد معالمه الآن، كان مقصورا على مصطلح التكرار الذي درج على ألسنة الدارسين القدامى، وإن ما انضوت تحته من مصطلحات فرعية شتّى كالترديد و التصدير و التعطف و التكرير ورد العجز على الصدر… ما هي إلا أنواع نعدّها تبعاً للترداد ؛ حينما يتمظهر البيان في نص مكتوب أوصوت مسموع. ولعلّ مقاييس ثلاثة كانت تحكم قراءة النص حينذاك هي التي تولدت عنها تلك التفريعات الاصطلاحية؛ مقياس المبنى دون المعنى، و مقياس المعنى دون المبنى، ثم مقياس المبنى والمعنى معا.
كما أن انمياز البيان العربي بثروته اللغوية الفذّة و غزارة أبنيته اللغوية و غنى صوتياته كالاشتقاق مثلا، كان لها كبير الأثر في حرية وضع المصطلح.
و لعلّ من أسباب ذلك أيضا؛ تنافس علماء العربية و دارسيها في صناعة المصطلح إظهارا للحقيقة و تحرّيا للدقّة و تحاشيا للّبس.
و لا يغيبنّ عن لبّ القارئ أن إعجاز البيان القرآني هو الذي ازدادت به قرائح الفطاحلة البلغاء تفتّقا و تدفّقا، فبه ازدانت العربية جمالا و بيانا، و منه استمدّت قوتها فامتدّت طويلا و دامت أسمى لغة وأفصح لسان.
و المتأمل في تعريفات المحدثين يلفيها استقت مادّتها من دراسات الغرب و نظرياتهم النقدية الحديثة كاهتمامهم بالدرس الألسني و علم النص و الخطاب، و التناص…، مما أضفى على هذا المصطلح رؤى و قراءات جديدة أسهمت في تعميق تلك الطروح القديمة، و هذا ما أفرد هذه الظاهرة البيانية بالتميّز والاستقلالية؛ بدليل أن ما أنجزته الدراسات الحديثة من تأصيلات و تنظيرات في الظاهرة اللغوية، قد دعّم ما ذهب إليه الأقدمون في أن الترداد هو مزية لغوية، بها ينتظم الخطاب و تتماسك أجزاؤه و تتأكد معانيه، وليس عيبا أو عيا، كما وسمه بعض الدارسين خطأ.
إن هؤلاء الدارسين لم يجنحوا إلى خلاف ما أثله الأوائل، فكلاهما يتفق على أن للترداد وظائف عديدة و فوائد جمة أعظمها استحضار المتلقي و إشراكه كفاعل ثان في هذه الظاهرة البيانية.
التعريف الاصطلاحي المعتمد: لئن كانت تلك هي جهود من سبقني من دارسين و منظرين واصطلاحيين، فإنه لا بدّ لي من محاولة إرساء مفهوم جديد أراه شاملا و جامعا لما تفرّق و تشتّت، على أنني لا أزعم الكمال أو الإتيان بما لم يأت به الأولون، ثم إن عدم الإجماع على وضع مصطلح واحد، وضبط تعريف محدد و دقيق، انجرّ عنه – و ما انفك كذلك- تذبذب أقوال البحثة الجدد و تضاربها، بل وتعدّى هذا إلى ضياع المتلقي و عدم ثبوته و قراره على إجماع موحد و مفهوم واضح و جليّ.
و على أساس ذلك، فالمصطلح الجامع الذي ارتأينا اقتراحه هو: الترداد؛ حيث إن جميع ما يتكلم به المرء على أربعة أقسام؛ ما فيه إعادة للمعنى و المبنى معاً و هذا هو الترداد الجلي، و ما فيه إعادةٌ للمبنى دون المعنى و هو الترداد الخفي، و ما فيه إعادة للمعنى دون المبنى و هذا هو الترداد البيْنيْ، و ما ليس فيه إعادة من هذا القبيل، فهذا هو الكلام العادي، أي الكلام الخلو من أي إعادة مهما كانت؛ سواء في المعنى دون المبنى أو في المبنى دون المعنى أو فيهما معا، و هذا نادر الحدوث؛ لأنه لا يكاد يخلو كلامُ أحدٍ من ورود إحدى تلك الثلاثة متفرقة أو مجتمعة.
و عليه فالترداد هو إعادة مكوّن بياني أكثر من مرّة، و المقصود بالمكون البياني كل وحدة بيانية تدخل في تشكيل البيان العربي، و هي كما يلي:
الوحدة البيانية الأساس؛ و هي أصغر وحدة بيانية مشكّلة للبيان، و تكون حرفا في الشكل المكتوب أو فونيما في البيان الصوتي أو وحدةً في الصورة.
الوحدة البيانية البسيطة؛ و هي تجاور وحدات بيانية أساس تتراوح بين وحدتين على الأقل إلى عشر وحدات على الأكثر، و هي الكلمة في الشكل المكتوب أو المونيم في البيان الصوتي أو الثنائية في بيان الصورة.
الوحدة البيانية المركبة؛ و هي سلسلة وحدات بيانية بسيطة تؤدي معنىً مفيدا كالجملة و العبارة في الشكل المكتوب، أو العبارة في البيان الصوتي، أو الكلية في بيان الصورة .
الوحدة البيانية العامة؛ و هي المجموعة المؤلفة من جميع الوحدات البيانية المركبة؛ و تكون نصا أو خطابا في الشكل المكتوب أو حزمة في البيان الصوتي أو صورة في البيان الصوري ، أما بيان الصمت، فليست هناك وحدات بيانية خاصة به، بسبب اختلاف و تعدد تجلياته و تمظهراته؛ فقد يتجلّى الصمت في شكل مكتوب؛ كبداية الفقرة مثلا، و الفراغات الفاصلة بين الكلمات و الجمل في النص؛ و به تكون وحدات الصمت البيانية هي نفسها وحدات النص المكتوب، أو المصوت أو المصور، لكن بشكل خفي غير ظاهر ولا مسموع.
فقد يتجلى في البيان الصوتي مثلا؛ كالوقف في تلاوة القرآن الكريم ، و السكتة و الوقف في نظم الشعر ، و السكوت بين جملة و أخرى في النثر؛ و قريب من هذا ما يندرج على الألسنة كقولنا: قراءة صامتة، صوت أخرس، و لهذا تكون وحدات بيان الصمت هي عينها وحدات البيان الصمتي.
و قد يتجلى في بيان الصورة أيضا؛ فكل رسم يتخلل الصورة هو بيان صامت، و إن كان رسما ناطقا من حيث دلالته، فكثيرا ما يقال: لوحة فنية ناطقة، طبيعة صامتة، صورة غامضة… و بذلك تضحى وحدات بيان الصورة هي ذاتها وحدات بيان الصمت.
و جملة القول أن تجلّي الصمت في أي بيان عربي من البيانات الثلاثة السابقة (الشكل المكتوب، الصوت، الصورة) ، إنما تحكمه وحدات ذلك البيان ذاتها.
أوجهه : للترداد ثلاثة أوجه تختلف باختلاف تمظهرات البيان العربي و تعدّد أنمطه، و هي كما أسلفنا:
أ- الترداد الجلي: إعادة المبنى و المعنى معا.
ب- الترداد البيني: إعادة المعنى دون المبنى.
ج- الترداد الخفي: إعادة المبنى دون المعنى.
و قد يرد كل واحد من هذه الأوجه الثلاثة مستقلا بذاته، و قد يرد اثنان منها مجتمعين أو أكثر .
|
|
|