لغتنا لن تندثر

أ. موزة المالكي

لأن اللغة العربية لغة تملك كل مقومات الهيمنة على اللغات الأخرى، فهي لغة باقية ولن تندثر كما قال بعض من المتشائمين الذين حضروا الندوة التي أقيمت على هامش فعاليات مهرجان الأفلام في فندق الريتزكارلتون يوم الجمعة الماضي بعنوان" اللغة العربية والإعلام".

من الحقائق العلمية التي ظهرت مؤخراً والتي تهم واقع ومستقبل اللغة العربية، والتي تؤكد هيمنة هذه اللغة العظيمة، ليس فقط باعتبارها اللغة الخالدة لخلود القرآن، ولكن أيضا باعتبارها لغة تملك بالفعل كل المقومات التي تعطيها تلك الأحقية للهيمنة على اللغات الأخرى.

والذي أكد ذلك دراسات قام بها علماء في جامعة لندن، ومن ضمن الفريق عالم عربي هو الدكتور "سعيد الشربيني"، والعلم الذي أتحدث عنه هنا هو ما يعرف بـ"علم اللغة الكوني"، وهو العلم الذي يدرس لغات العالم جميعها في وقت واحد وذلك بمقارنة النظام النحوي والعلاقة الجينية بينها ليعرف أسباب موتها وأسباب بقائها واستمرارها وكذلك أسرار قوتها وضعفها، أي هو العلم الذي يدرس لغات العالم دفعة واحدة ليعرف مراحل نشأتها وشبابها وشيخوختها، وليعرف بالتالي أي لغة يكتب لها الخلود لخصائصها ومميزاتها. هذا العلم بدأ سنة 2003 على يد زمرة من العلماء الغربيين في جامعة لندن، قسم "علم اللغة الكوني" حيث يسمى فيها قسم اللغة العربية بقسم "اللغة الأم"، وليس "قسم اللغة العربية".

كذلك يتم الآن في بريطانيا الآن، كما في أمريكا تدوين معظم الأبحاث والدراسات والوثائق الهامة، وحتى بعض المعاهدات الدولية الهامة، باللغة العربية لتكون متاحة للأجيال القادمة، وهذا اعتراف ضمني منهم بخلود هذه اللغة الرائعة وتفوقها على اللغة الإنجليزية والفرنسية مثلا. وما يدعم هذا ويؤكده أن جامعات مرموقة كثيرة بدأت تعتني باللغة العربية عناية خاصة، فبدأت تكتب بها وتترجم إليها، وآخر جامعة شرعت في ذلك هي جامعة طوكيو.

وفي لقاء مع الدكتور الشربيني على إحدى القنوات الفضائية ذكر فيه:"إن العربية لن تموت لاعتدال أصواتها، فهي لغة ليس بها اعوجاج لقوله تعالى في مطلع سورة الكهف: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا" وقريب من هذا كذلك قوله تعالى في سورة الزمر:"وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ". ويستشهد على ذلك بأن الكتب المكتوبة باللغة اللاتينية مثلا قبل 500 سنة فقط لا يمكن للعامة الآن قراءتها مهما حاولوا، ولا يستطيع ذلك إلا الدارسون المتخصصون جدا في هذه اللغة القديمة، فكانت النتيجة أن أصبحت هذه الكتب شيئا من التاريخ. غير أن الأمر مختلف تماما في ما يتعلق باللغة العربية، ذلك أن العرب بإمكانهم قراءة الكتب المكتوبة قبل 1400 سنة، وأن ما دخل عليها من تغيرات لم يدخل على معاني الكلمات ومدلولاتها أو طريقة نطقها الصحيحة، وإنما الذي أُلحق بها وأضيف إليها إنما هو مجرد نقطٍ للكلمات وشكل لها مما يزيد اللغة قوة ووضوحا. ويؤكد رأيه هذا فيضرب مثلا داعما حيا بالقرآن الكريم، وهو الكتاب الذي ما يزال يتلى تواترا ومشافهة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالحروف نفسها والأصوات نفسها التي بها نزل والتي تلاها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفسه. ليخلص إلى أن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم.

لغتنا العربية لن تندثر، وستظل باقية بإذن الله، ولكن تحتاج منا أن نحافظ عليها ونعتز بها.

الراية