|

تجربتي في تدريس اللغة العربية بكلية واشتناو في أن آربر
د. صبري مسلم حمادي
تبدو كلية واشتناو وكأنها جامعة صغيرة ، إذ تدرس فيها معظم التخصصات المعروفة ، ومن ذلك اللغات ، حيث يعتبر قسم اللغات الأجنبية تخصصا مهما فيها ، حيث تدرس فيه اللغة العربية والألمانية والفرنسية والإسبانية . وثمة هرم إداري يتألف من رؤساء أقسام وعمداء ، ورئيسة هذا الهرم الإداري هي الدكتورة روز بيلانكا - الرئيسة الرابعة لهذه المؤسسة التربوية ومنذ عام 2011 ، كما أنها أول امرأة تتولى الرئاسة - ، وقد وصلتني منها دعوة لتناول فنجان قهوة ، وقد استغربت من طبيعة الدعوة وأسلوبها اللطيف وظننت أنها مجاملة ، وأن اللقاء سيكون عاما بحيث أستطيع المغادرة إذا مابدا ذلك اللقاء مملا . ولكني فوجئت حين ذهبت في الموعد المحدد بأن اللقاء يقتصر على مجموعة صغيرة جدا من الأساتذة والمدرسين وفي مكان يزخر بالحركة ، وهو معد لتناول فنجان قهوة وليس مجرد مكان رسمي. كنا أربعة أفراد ومعنا سكرتيرة الرئيسة التي كانت في غاية اللطف . بدأت الدكتورة بيلانكا ، وهي من أصول إيطالية بالحديث عن رغبتها في الاجتماع والإصغاء إلى كل العاملين في هذه الكلية ، تريد أن تعرف ما هي مشاريعهم ؟ وفيما إذا كانت لديهم أفكار من أجل تطوير تخصصاتهم وبما يخدم الطلبة ومجتمع أن آربر والمدن الأخرى القريبة منها.
وحين جاء دوري تحدثت عن تجربتي الطويلة في مجال التدريس في جامعة الموصل وبغداد واليمن وفي كلية واشتناو التي أمضيت فيها أربعة أعوام جميلة ، فأنا لا أعد التدريس عملا بل هواية ممتعة ، وقد وجدت من الدكتورة بيلانكا منتهى الاهتمام والرغبة في معرفة المزيد ولا سيما في مجال تطوير برنامج اللغة العربية في الكلية ، وقد نقلت دكتورة بيلانكا رغبتي هذه إلى عميدة اللغات وإلى رئيسة قسم اللغات الأجنبية الأستاذة ميشيل كاري حيث احتفت بالمشروع ووعدت بأن تتابعه حتى يتحقق في أول فرصة سانحة ، بحيث تكون هناك سنة ثانية لغة عربية ، وبذلك نكون قد خطونا خطوة جيدة في مجال تطوير فرع اللغة العربية في قسم اللغات الأجنبية أسوة باللغة الإسبانية والفرنسية.
ما أود ذكره هنا هو أنني وعلى مدى عقود من العمل الجامعي لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا النموذج من الإداريين ، إلا فيما ندر. وأعتقد بأن الإداري الناجح الذي يحب عمله يفعل ما فعلته الدكتورة بيلانكا ، بحيث تركت في نفسي انطباعا جميلا عنها وعن أسلوبها اللطيف في التعامل مع العاملين في هذه المؤسسة التربوية الراقية.
وأحسب أن قسم اللغة العربية له مستقبل جيد في هذه الكلية نظرا لوجود الجالية العربية في أن آربر وأبسلانتي خاصة ، وتأتي الجالية الفلسطينية في رأس القائمة تليها جالية عراقية ازدادت مؤخرا بسبب الظرف القاهر الذي مر به العراق وما يزال يعاني منه. وهناك قلة من العرب الذين ينتمون إلى جاليات عربية أخرى كالجالية اليمنية واللبنانية والمصرية. ولأن معظم أبناء الجيل العربي الجديد هنا في المهجر لم ير الوطن الأم ، لذلك فقد نشأت الحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية. وهكذا وجدت نفسي أخوض تجربة جديدة في مجال تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها ، بعد أن تعرفت على الدكتور خوان ريدوندو رئيس قسم اللغات الأجنبية السابق في الكلية ، حيث رشحني مشكورا للتدريس في فرع اللغة العربية ، وقدمني لعمادة الكلية التي كان عميدها الدكتور بل أبرنثي - وهو الآن يشغل منصب نائب الرئيسة - والذي رحب بي في حينها ، لا سيما حين أخبرته بأني عميد كلية الآداب بجامعة ذمار اليمنية سابقا.
معظم طلبة اللغة العربية يعرفون إحدى اللهجات بيد أنهم يجهلون الفصحى ، كما أن أغلبهم لا يجيدون الكتابة بالعربية. والجدير بالذكر أن تخصصاتهم الأساس ليست اللغة العربية ، إذ يتخصصون بالطب والكمبيوتر والأعمال الإدارية وسواها من التخصصات العلمية أو العملية التي يتطلبها سوق العمل. وأما اللغة العربية ومثلها بقية اللغات وبضمنها اللغة الإنجليزية ، فإنها متطلب يخضع لرغبة الطالب وقدرته على أن يدفع أجور تعلمه .
ثمة مبدأ مهم في تعلم اللغة العربية هنا - ومثلها بقية اللغات - هو أن اللغة لا تنفصل عن الثقافة ، وأقصد بالثقافة هنا: التقاليد والعادات والملابس والطعام والأغاني والأمثال والطرفة الشعبية بل الفولكلور عامة . فاللغة العربية بوصفها محورا للدراسة محاطة بتراث عريض وتفاصيل اجتماعية ، ولا يمكن أن تفهم إلا في إطار مهادها الثقافي والاجتماعي والتاريخي . وهنا وفي ظل التنوع الثقافي والاجتماعي للمهاجرين الجدد والقدامى ومن مختلف الأعراق ، تبدو التفاصيل الثقافية والاجتماعية العربية ذات طابع طريف يجلب الطلبة بقوة لتعلم اللغة ولاستيعاب تفاصيلها .
ومن ذلك الطعام العربي ومذاقه الخاص ، أو الملابس العربية وارتباطها بطبيعة البيئة العربية ، أو عيد الفطر وعيد الأضحى وارتباطهما برمضان المبارك والحج ، وربما مناسبات الأعراس والزفاف والأغاني المصاحبة لمثل هذه المناسبات. وهذه كلها مادة خصبة وشيقة للطلبة هنا في عودتهم إلى لغتهم الأصل ، وإن بدت العربية هي اللغة الثانية لهذا الجيل من الشباب العرب ، إذ استقرت اللغة الإنجليزية في نفوسهم بوصفها اللغة الأولى وعبر دراستهم في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية . علما بأن بعض المدارس المتوسطة والثانوية هنا في أن آربر و في ديربورن تدرس مادة اللغة العربية بوصفها إحدى المواد المفروضة ، وغالبا ما يكون معظم الطلبة من العرب ، مع أن هذه المدارس حكومية ولكنها تسمح بمثل هذه الخصوصية للعرب أو سواهم من الجاليات. لأن خصوصية أية جالية محمية بموجب القانون على أن لا تفرض وجهة نظرها ورؤيتها أو منحاها الفكري على أية جالية أخرى ، لأن مثل هذا التجاوز يعاقب عليه القانون ولا يسمح به بأي شكل من الأشكال . وأما المدارس الخاصة بالجالية العربية فإنها تعتمد مادة اللغة العربية ، وإن كانت هذه المدارس الخاصة تحت الإشراف خشية أن يتدنى فيها مستوى التعليم .
اليمني الأمريكي
|
|
|
|