|

شجون عن اللغة العربية
أ. محمد الخولى
رحم الله العلامة المصرى الراحل "سيد عويس". فى ستينات القرن الماضى نشر الدكتور "عويس" كتابه الرائد الجميل بعنوان "هتاف.. الصامتين". وكان بديهياً أن يجذب هذا العنوان الطريف البليغ اهتمام أستاذنا "أحمد بهاء الدين" عليه ألف رحمة ونور كى ينوّه بموضوع الكتاب الذى عمد فيه المؤلف إلى تجميع وتفسير العبارات التى يطالعها الناس على أديم المركبات المختلفة التى تشق شوارع المحروسة ومساحاتها ودروبها.. يستوى فى ذلك عربات الكارو التى تقرأ على أخشابها عبارات تؤكد لسيادتك – ولا فخر- أن هذه الكارو المحظوظة من "صناعة المعلم قرنى.." الذى يتخذ محله المختار فى شارع مراسينا أو ميدان السيدة عائشة أو حارة الشيخ البغّال.. بقدر ما يمكن أن تقرأ على السيارة أو الشاحنة عبارات تستعين بالمولى على الشقا أو تندد بغدرّ الصحاب وشظف العيش وقسوة الحياة.. إلى آخر ما عمد الدكتور "سيد عويس" إلى تحليله واستخلاص ما يمكن أن يحفل به أو يعبر عنه من مشاعر وأفكار وآراء عامة الشعب فى بر مصر..
من ساعتها.. والعبد الفقير كاتب السطور شغوف لايزال بمطالعة ما يكتب على هياكل المركبات التى ندرت من بينها عربات الكارو بقدر ما شاعت السيارات من مختلف الماركات وإلى حد ينذر بأن تصل أحوال القاهرة الصابرة – الشر برّه وبعيد- إلى حدود الإنفجار.
لكن، بقدر ما كان فى مثل هذه المطالعات ما يبعث فى النفس مشاعر وأفكاراً سواء من فهم التيارات التحتية كما قد نسميها فى حياة الناس.. أو سواء من إدراك الطرافة أو خفة الدم أو سمات الفهلوة التى لاتزال من شمائل أهل مصر الطيبين، ناهيك عما قد يستعيده الخاطر من عطر الأحباب عندما يستروح ذكرى الذين علّمونا ومنهم، كما أسلفنا "سيد عويس" أو "أحمد بهاء الدين"، إلا أن المسألة صارت أعقد من ذلك بكثير المسألة أصبحت تبعث على شعور بالأسى والأسف إلى حد ليس بالقليل.
لمـــــــاذا؟
لأنك تدرك، بيقين- مدى ما أصاب لغة أهل مصر.. اللغة العربية من تراجع وانحسار ويصل إلى حد التدهور فى بعض الأحيان.
وإذا كان "قائد" الكارو معذوراً بحكم الأمية أو شبه الأمية التى كتبت على جبينه دون أن تشفع له حكاية المعلم عريكة البهلوان – الصانع الأمهر فى فن المركبات المجرورة بجهود الحمير وأبناء عمومتهم من البغال.. إلا أن السؤال لايزال مطروحاً:
ما هو عذر البهوات والهوانم من راكبى وقائدات السوبر- ماركات الفاخرة من الأوتومبيلات حديثة الإستيراد؟
هنا، وبغير إغراق سيادتك فى التفاصيل.. أرجو أن تطالع معنا هذه العبارات التى رصدناها من أسطح وجوانب أحدث السيارات:
.. "ميت فول".. وعشرة!
(يقصد طبعاً زهرة الفلّ الفواحة بعيداً عن طبق الفول المقدس عند إخوانك المصريين).
.. "كون واثق من رحمة الله"!
(يقصد "كن" واثقاً) لكن يشاء الجهل المحفوف بادعاء البلاغة والمعجون بمياه الإستظراف الآسنة يطيح بفعل الأمر ويذبح فعل "كان" الماضى الناقص حسب التعريف والقادر – كما لا يخفى على فطنتك- على نصْب الخبر.. وبالمناسبة يردد التلفاز المصراوى على قناة خاصة نفس العبارة المغلوطة الخائبة التى قرأناها فى عرض الطريق.
• ثم تعال إلى عبارة يتصور كاتبها المتنطّع السخيف أنه يوجه نصيحة إلى أى فتاة أو سيدة فى وطنك المؤمن الجميل. العبارة قرأناها على سيارة ماركة "هامر" الكلية الإحترام وتقول:
.. "وسّعى العباية يا "أليلة" الرباية"!
وهو يقصد أنها "قليلة" التربية – بينما هو قليل الأدب.. قليل الدين- قليل بل معدوم العلم أو الوعى أو الذوق بالعربية الشريفة.. لغة الكتاب البليغ الكريم.
• نفس التنّطع بمعنى التمسح بالشعار الدينى وجدناه مجسداً فى عبارة تحيل إلى القرآن العظيم.. وقد طالعناها على إحدى الشاحنات التابعة لشركة مياه غازية وتقول:
.. "الله خير "حافظ" (كذا)..!
وطبعاً كان لابد أن نلفت نظر السائق إلى هذا الخطأ الذى يخرق العين فى الإحالة إلى القرآن.
ثم نزيدك من هذ "الشعر" الخائب بيتاً أكثر خيابة حين قرأنا على شاحنة عملاقة كانت تمخر عباب الطريق الدائرى ونحن فى طريقنا فى وجل من كل الشاحنات والمقطورات إلى مدينة الإنتاج الإعلامى: حضرة السواق كان يقود هذا الكائن شبه الخرافى وقد نقشوا على السيارة العبارة التى قالت وبالحرف ما يلى:
.. "يقينى بلله.. يقينى"!
وطبعاً لم يكن فى مقدورنا وسط غيابات الدائرى أن نلفت النظر بكل احتشام إلى هذا الخطأ الفاحش فى الإحالة إلى لفظ الجلالة كى تكتب "بالله" كما لاشك تدرى.
.. أخيراً – وفى إحالة سريعة إلى دنيا الإعلام التى ننتمى إليها تقرأ التالى:
.. إعلان متلفز عن محاربة الإرهاب يتكلم ولا فخر عما يلى:
.. "وطنية الرجال.. "المصريون" (كذا)!
ناهيك – أعزك المولى وأثابك- عن دعاية إنتخابية يبدو أن صاحبها مهندس زميل يطمح إلى عضوية نقابة للإعلاميين، وقد طالعنا إعلانه عبر ملصق يحمل صورته ويزين واجهات مبنى ماسبيرو العتيد. والإعلان يقول:
.. انتخبوا "أخوكم" فلان الفلانى!
وبديهى أنها "أخاكم" بغير مراء.
ولا حول ولا قوة الإ باللــــــــــــــه.
البشاير
|
|
|
|