ولوج عالم المعرفة لايتم إلامن باب اللغة لوطنية

الصديق بوعلام

ما يقع في الحقل اللغوي ببلادنا يكادلايفهم، لفرط الفوضى الضاربة أطنابها في حياتنا اللغوية، وهي فوضى ولدت كل هذا التسيب اللامعقول من إهمال وتطاول وتهميش وتحريف وانتهاك واجتراء وتخبط ومحاربة للغة العربية بكل الأشكال والوسائل المتاحة.
ومن تجليات هذه الفوضى القرارالانفرادي باعتماد اللغة الفرنسية المسماة زورا بالباكالوريا الدولية. في هذا الحوارمع الدكتورفؤاد بوعلي مناقشة لجوانب من هذه القضية وكشف لجذورها.

ـ هل "الباكالوريا الدولية" دعم وانفتاح كما يزعم البعض أم هي مجرد استلاب واستتباع؟
شكرا لجريدة "العلم" الغراء على هذه الاستضافة. الباكالوريا المسماة زورا دولية وهي في الحقيقة فرنسية يراد منها النكوص عن مسارالتعريب الذي حقق للمغرب، بالرغم من الإشكالات الإجرائية التي صاحبت التنزيل، دمقرطة في انتشارالتعليم والتربية بحيث استطاع توسيع قاعدة الاستفادة من برامج التكوين المختلفة، كما مكن من تخريج نخبة من المفكرين والمبدعين المشهود بكفاءاتهم عربيا ودوليا. فلا أحد يعارض الانفتاح على اللغات الأكثرتداولا في العالم والاستفادة منها لكن هناك فرق بين تدريس اللغة ولغة التدريس. فتدريس اللغات الأجنبية وإتقانها يساهم لامحالة في الاطلاع على جديد المعرفة الإنسانية، لكن القاعدة المعروفة في تقارير التنمية البشرية المختلفة التي أصدرتها المنظمات الدولية أن ولوج عالم المعرفة لايتم إلامن باب اللغة الوطنية وفي الحالة المغربية تظل اللغة العربية الأقدرللنهوض بالمجتمع معرفيا وتنمويا. فكل تراجع عن هذا المسارلن يؤدي إلا لمزيد من التخلف والأمية ومشاكل التعليم المزمنة.
ـ ماذا وراءهذا القرار؟
الأكيد أن القرارليس بريئا ولايراد منه معالجة الاختلالات التي تعرفها المدرسة المغربية بل هو خضوع للوبيات الفرنكفونية التي تتحكم في القرارالتربوي والثقافي والفكري وطنيا. ودوما نقول إن الفرنكفونية ليست آلة ثقافية فقط بل هي في العمق آلة اقتصادية أريد من خلال اللغة الفرنسية التحكم في اقتصاديات المعرفة وتسويق منتجاتها الفكرية والاستفادة من العائد الاستثماري للغة موليير. ويمكن بنظرة بسيطة أن تلاحظوا الهجوم الفرنسي على المنتديات التربوية والثقافية المغربية وما تحققه الفرنسية من ربح وعائدات مادية من خلال منتجاتها التعليمية، في الوقت الذي تعيش فيه هذه اللغة وضعا كارثيا في عقرفرنسا ويمكن أن نحيل هنا على قانون فيوراسو حول التعليم العالي الذي أدخل الإنجليزية في الجامعة باعتبارها لغة العلم والتنمية. إذن فهذه الباكالوريا هي تمثل لسيطرة نخبة فرنكفونية تخشى العربية بما تحمله من قيم الحرية والعقيدة والانتماء للوطن والأمة. والعكس هوانسلاخ عن الأمة وسيطرة لمنظومة قيم غريبة ونخبوية المعرفة والمعلومة مما يؤدي إلى إعادة إنتاج الأمية وابتعاد المجتمع عن الشأن العام.
ـ لماذا هذه الفوضى في المجال اللغوي، ولماذا لم يظهرإلى الوجود المجلس الوطني الذي يدبروينظم ويبت في مثل هذه المسائل بشكل مسؤول حتى لاتظل نهبا للقرارات الانفرادية؟
للفوضى اللغوية التي نعيشها العديد من الأسباب أهمها غياب رؤية استراتيجية لدى الفاعل السياسي. فقد تعودنا أن تظل اللغة سياسة وتخطيطا خارج دائرة اهتمام مدبري الشأن العام بل غدت الهوية اللغوية ورقة في التنافس الحزبي كما يحدث الآن في تناول الامازيغية. فالأصل في التخطيط اللغوي أن يؤسس على مبادئ أطرت السياسات اللغوية في العالم المتقدم: الوحدة الوطنية والاعتراف بالتعدد والعمق الحضاري للغة وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووظائفيات اللغات. لكن الواقع أن سيطرة الفرنسية خلقت فوضى بين النصوص والقوانين الرسمية والمعمول به في الإدارات والمصالح العامة والخاصة، إضافة إلى تشجيع الفرنكفونية للتلهيج في أفق حصراستعمال اللغة الوطنية. بكل بساطة إن الفوضى التي نعيشها منذ عقود كان الهدف منها منح لغة المستعمر الصدارة في التداول العلمي والاقتصادي والفكري. وقد كان من المفروض أن يكون ظهورالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المنصوص عليه دستوريا نهاية لهذه الفوضى، لكن تأخرخروج المجلس والعقبات التي توضع في طريق ولادته يثبت ما قلناه سابقا أن الأمرلايتعلق بلغات تحتاج إلى تدبيروإنما بحرب فرنكفونية على الهوية اللغوية للمغاربة.
ـ ما هي أشكال النضال الذي يجب أن تخوضه الجمعيات المدافعة عن اللغة العربية لإبطال هذا القرار؟
أمام الجمعيات المنافحة عن اللغة العربية تحديات كبيرة ومسؤوليات تاريخية. فعلى المستوى المدني ينبغي ان تمارس حقها في الاحتجاج السلمي والقانوني على القرارات التي تمس وضع اللغة العربية وجوهريتها في الانتماء الحضاري للأمة، وعلى المستوى التشريعي ينبغي لها طرح بدائل حقيقية في فرض قوانين لحماية لغة الضاد، إضافة إلى المساهمة الأكاديمية في تنظيم أنشطة إشعاعية معالجة لقضية من قضايا اللغة العربية. كل هذه المسارات ينبغي أن تتم في إطارمن التنسيق الميداني والحشد المجتمعي.
ـ المفروض أن تكون حصص تعليم اللغة الوطنية أوفرمن حصص تعليم اللغات الأجنبية، لماذا تبخس اللغة العربية حقها في استعمال الزمن المدرسي؟
لأن العربية تحولت إلى لغة مدرسة تفتقد في المنهاج المدرسي مقومات لغة التواصل كما يبدومن خلال آليات التدريس ومضامين المقررات والموارد البشرية، ومن ثمة فقدت في كل الأسلاك هويتها باعتبارها لغة تدريس. والأكثرمن ذلك غياب مجال استعمالي للغة العربية، فهيمنة الفرنسية في قطاعات الاقتصاد والفكريجعل الاهتمام بالعربية محصورا في الشعب الأدبية والدينية.
ـ أليست الفرنكفونية نوعا من الاستعمار الجديد؟
قبل مدة نشرت مجلة "تيل كيل" المتوقفة عن الصدورعلى غلاف أحد أعدادها صورة رجل مغربي يلبس الجلباب ويضع على رأسه الطربوش مادا لسانه الملونً بألوان العلم الفرنسي الأحمروالأبيض والأزرق، وذلك تعبيرعما أحدثته الفرنكفونية في الذات الوطنية من تنازع انفصام بين انتمائه الهوياتي وارتباطه الاستعبادي بلغة المستعمر، وهوما تجلى ويتجلى في الحملات المتوالية وبعناوين مختلفة على أهم أركان المشترك الجمعي. فاللغة الفرنسية من خلال التسويق لها وفرضها في الشأن العام والتعليم باعتبارها قدرا سياسيا، ولغة الحداثة جعلت وسيلة التخاطب للنخبة ولشرائح واسعة من المتعلمين، فتم الإجهازعلى كل مشاريع التعريب، وتوجيه الثقافة نحوالارتباط اللزومي بالمركزالفرنسي فنا وسينما وأدبا وعلما وتخصصا، وأديرت عجلة التنمية من مكاتب باريس من خلال الإشراف على التكوين التقني والمتخصص، هذا في نفس الوقت الذي شجعت نقاشات التجزئ الهوياتي وإدارتها بشكل أدخل المجتمعات العربية في متاهات الهوية والنزعات الإثنية. فكانت الفرنكفونية بألوانها المختلفة عنوان الاستعمارالمتجدد.

العَلم