اللغة العربية تعاني على ألسنة أبنائها

أ. خالد محمد اللحام


لغتنا العربية ولسان الشباب، سؤال يطرح بشدة هذه الأيام بعدما صارت اللغة على لسان غالبيتهم الانكليزية أو الفرنسية أو حتى لغة الاسبرانتو التي تدعو إلى كتابتها بالحرف الأجنبي كما تلفظ وهي دعوة صهيونية عمل على اشاعتها في اوروبا لودويك زافيهوف مؤسس حزب حيروت اليهودي الصهيوني.
وقد باتت هذه اللغة، أي الكتابة حسب اللفظ وبالاحرف اللاتينية ممارسة يومية للمراسلة عبر الانترنت، والهاتف الجوال، ووسيلة للتواصل الاجتماعي، تمارس بلا خجل، ويتم بصمت النيل من لغة القرآن والبعد عنها حتى لم تعد المشكلة في عدم تعلم اللغة العربية بل سارت في تصورها عند الشباب وكأنها لغة الفاشلين والمتخلفين.
وهذا ما يطرح السؤال الكبير: إلى أين؟
سؤال حاولنا الحصول على اجابات عليه من أجل العلم فكانت هذه الآراء:

المفتي الميس
* قال سماحة مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس: لأن القرآن نزل بلغة العرب وشرفها الله بالخلود كان ان هذه اللغة استهدفت ولا زالت تستهدف من اعداء الإسلام اعداء اللغة الكارهين للحرف العربي لأنهم يعملون على ذلك على أساس ان النيل من الحرف العربي ضرب للغة ومن هنا صار التعرض للعربية ومحاولة النيل منها حملة على الإسلام وحملة على الإنسان العربي في العالم الذي مد الأرض تحت السماء بالحرف العربي الذي وصل بعزة ومروءة إلى العالم كله.
ان محاولات النيل من اللغة العربية ليست جديدة، بل انها السعي إلى ذلك كان شعار كل اعداء الإسلام، فهم تارة يدعون إلى الكتابة والقول بالعامية أي اللغة المحلية التي تغرق العالم العربي وتحوله إلى شعب ممزق موزع اللهجات، وطوراً تعمل على نشر اللغات الاجنبية التي انتقلت إلى بعض دولنا مع الاستعمار الأجنبي، وكانت الثالثة في الكتابة حسب اللفظ بالحرف اللاتيني وهو ما جاءنا مع الكومبيوتر واجهزة الهاتف الخليوية ورسائل الانترنت وسواها وكلها وسائل تستهدف بالتدريج النيل من لغة القرآن وقطع التواصل بين ابناء الأمة وتحويل شعبنا إلى شعب أمي يفقد ارتباطه بكتاب الله وهذه مؤامرة إستعمارية ما زالت تستهدفنا منذ دخل الاستعمار إلى بلادنا وعمل على ضرب هذا الارتباط الوثيق لشعبنا العربي بأمته.
لكن إرتباط الامة بقرآنها ما زال وثيقاً رغم كل شيء ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون وما زالت العربية لغتنا الصابرة المستهدفة صامدة رغم انف الاستعمار وأهله.
المفتي اللدن
* وقال سماحة مفتي راشيا الشيخ الدكتور أحمد اللدن: ان التحدي التاريخي لهذه اللغة، تحد للأمة الوعاء الثقافي لها أي استهانة بدورها وتاريخها ودورها الحضاري فالأمة مستهدفة في حضارتها وثقافتها عندما يتم استهداف العربية.
لذلك فإن الكثير من المعارك الثقافية التي شهدناها في القرن الماضي دارت حول هذه اللغة وسعت إلى النيل منها وتجهيل أبنائها فسمعنا الكثير من الأصوات التي كانت تدعو إلى إستبدال اللغة العربية الفصحى باللهجات المحكية وهي دعوة واجهتها المنطقة العربية كلها وخاصة في مصر ولبنان فأنتشر الشعر بالعامية المحكية وحاولوا تخريب اللسان العربي والهدف من ذلك كله النيل من الإسلام عبر هدم اللغة التي تربط هذه الأمة.
ولعل الهجمة الأكبر على اللغة شهدتها الجزائر حيث تم العمل على التغريب والفرنسة واشتد الهجوم على اللغة العربية من خلال اشاعة المفردات الدخيلة على اللغة حتى أصبح هذا الدخيل كبيراً وانتشر هذا الدخيل على اللغة أكثر ما أنتشر في لبنان حتى صارت المفردات المتداولة بالآلاف وهي ظاهرة جلية في لبنان حيث بات الكثير من المتحاورين يقدمون المصطلح الأجنبي كبديل يعتمدونه عندما يعجزون عن الكلام بالعربية خلال الحوار وعادة ما يكون هذا المصطلح بالفرنسية أو الإنكليزية حسب كل فئة من فئات المجتمع ولكن الوعي ما زال يقف سداً منيعاً أمام هؤلاء الذين يعجزون عن النيل من اللغة وان كانت تأثيراتهم واضحة بشدة على الشباب هذه الأيام.
المفتي الصلح
* وقال مفتي بعلبك الشيخ خالد الصلح: بالمبدأ، كل أمة تعتمد على وحدتها باللغة، فاللغة لا تمثل أسلوب التخاطب فقط، بل هي تعبير عن الثقافة والحضارة والفكر والإبداع وهو مفهوم يستهدف بشدة عند الشباب للنيل من عقولهم وإبداعاتهم عبر النيل من لغة التواصل بينهم من خلال الترويج للعامية واللغات الأجنبية حتى ان الأمر بات يطال المناهج والمدارس أحياناً وخاصة في لبنان حتى بتنا نرى البعض يتحاور باللغة الممتلئة بالمفردات الأجنبية فصاروا يستخدمون ما يسمونه Multi Language وهو أمر ساد احياناً بين الشباب بدل لغة الحضارة والتراث والثقافة في لبنان حتىبات هذا التواصل في لغة أهل الجنة بعيداً عن الشباب.
المؤامرة وللأسف كبيرة ومتواصلة ومستمرة حتى ان البعض يرتكز في تدريسه على اللغات الأجنبية بشكل مباشر وغير مباشر بدل اللغة العربية فإذا اضفنا إلى ذلك الهجمة الإقتصادية الغربية على المنطقة العربية وحفلات الترويج للغناء الأجنبي والمسرحيات والأفلام والمسلسلات الأجنبية ومحطات التلفاز وغيرها وهذا يدعو جهابذة هذه اللغة إلى القيام بحركة واسعة إجتماعية وأهلية رسمية وخاصة للتصدي لهذه الحملات والا فإن اللغة ستكون مهددة حكماً من خلال هذه الحرب المفتوحة على لغتنا العربية خاصة في بلد كلبنان في ظل هذا الإنفتاح الكبير على كل المسارات التي تستهدف النيل من اللغة العربية سراً وعلناً ولأسباب معروفة.
المفتي دلى
* وقال مفتي مرجعيون الشيخ حسن دلى: الهجمة على اللغة العربية تنطلق من كراهية البعض للعرب والمسلمين وسعي إلى النيل منهم عبر النيل من لغتهم وحضارتهم وتاريخهم ولا يبدو هذا واضحاً لا من خلال الغرب فحسب بل حتى من بعض المسلمين من القوميات الأخرى التي انهتها الخلافة الإسلامية، وهي دول لا تحب اليوم اللغة العربية حتى ولو كانت تفهمها.
الهجمة على اللغة العربية إذاً ليست جديدة، والدعوة إلى العودة للعامية ثمة من يعمل على تنشيطها بصمت وعبر مشاريع مزيفة كل همها النيل من العربية الفصحى أما باعتبار العامية أسهل للتواصل وأقل صعوبة ويمكن استعمالها للولوج إلى الأنترنت ومخاطبة الآخرين بالهاتف الجوال أو إرسال لرسائل عبره.
على ان التصدي لهؤلاء ينبغي ان لا يأتي عشوائياً بل عبر دور فاعل لأهل اللغة وعبر البرامج والمسابقات اللغوية وسواها للتشجيع على استخدام العربية كما عبر تدريس الدين والتركيز على حفظ القرآن ونشر علومه فاللغة تحفظ بالممارسة وتتعزز بالتركيز عليها وقى الله المسلمين شر هذه المؤامرات وحمى لغتهم ممن يعادونها لتأكيد عدائهم للقرآن.
د. حافظ
* وقال خبير علم النفس الدكتور جمال حافظ: العداء للغة العربية ليس حالة جديدة نشهدها على ساحتنا العربية والإسلامية بل هو عداء يستهدف النيل من الأمة كلها عبر النيل من مخزونها الفكري والثقافي وتاريخها الحضاري كله سعياً إلى الإساءة المباشرة وغير المباشرة إلى هذه الأمة عبر شتى الوسائل.
والتصدي لهذا العداء الجذري للأمة يكون بالوعي لمخاطر الهجمة على اللغة العربية ولابعادها ووسائلها من خلال التنبه لهذه المشاريع ومواجهتها بكافة السبل المتاحة حرصاً على أهمية الترابط بين حضارة هذه الأمة ومخزونها الفكري والثقافي ووعيها الديني والإجتماعي حرصاً عليها وحفظاً وصوناً لتاريخها وتراثها.
اللغة ليست أداة تواصل فقط، بل هي تراث كامل وشامل جامع للأمة يتعزز دورها بتعزيزه ويقوى بقوته، والهجمة التي تتعرض لها هذه اللغة سواء من خلال الدعوات للعامية أم العمل على تغريب الشباب، أو السعي للإساءة إلى اللغة، ليست بالهجمة الجديدة وإنما هي هجمة مستمرة ومتواصلة لا بد من العمل على مواجهتها.
إذن، القضية ليست آتية من العدم بل هي تعمل على دفعنا للغرق فيها وهذا يتطلب الوعي لخطورتها ومواجهتها..
د. وجيه فانوس
* وقال الدكتور وجيه فانوس رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين: لا أخشى على اللغة العربية باعتبارها لغة فاللغة أساساً من اللغو، واللغو هو الكلام المتغير والزائل، واللغة في أساسها تقوم على اللسان الذي يبقى ثابتاً ويشكل الهوية الحقيقية لصاحبه.
ومن هنا إذا ما عدنا إلى المصحف فإننا لا نجد فيه لفظة لغة على الإطلاق بل نجد لفظة لسان فاللسان هو الاساس ولقد عرف العرب لساناً واحداً هو اللسان العربي كما عرفوا لهذا اللسان عدداً من اللغات مثل لغة قريش ولغة مضر ولغة حمير ولغة طئ وسوى ذلك.
تبدأ القضية عندما اثبت النص القرآني بلغة قريش وهي في واقعها لغة قابلة للتغير بل مضطرة إليه بحكم واقع وجودها ولكن حين اثبت النص القرآني بهذه اللغة صارت وكأنها اللسان وهي غير قادرة بطبيعتها على ان تكون لساناً.
وهكذا صار ثمة فاصل بين عربية قريش التي اثبت بها النص القرآني والعربية الفصحى المعاصرة والتي تنسب إلى قريش.
اللغة دائمة التطور والتغير والتبدل والتأقلم مع بيئتها المعاصرة لها اما اللسان فثابت لا يتغير.
لكننا لا نستطيع ان نتجاوز هذه المشكلة في لغة قريش التي اثبت بها النص القرآني وصار علينا ان لا نتعامل معها باعتبارها مشكلة بل باعتبارها قضية، القضية الآن ان  نضع عبر هذه اللغة ما يمكن ان نسميه العربية الاساسية التي بامكانها ان تشير بوضوح وصدق إلى لغة النص القرآني وتشير أيضاً بوضوح إلى لغة العصر الراهن.
وهذا أمر يتطلب جهوداً مكثفة من قبل أكاديميين مختصين ومجامع لغوية نأمل ان تجد رعاية من مؤسسات عربية وعالمية قادرة على الإهتمام بمثل هذا الموضوع حفاظاً على التراث واقبالاً على المعاصرة في آن.

اللواء