
من خصائص اللّغة العربيّة الخصائص الصوتيّة
أ.د. عبد الحميد عبد الواحد
لا شكّ أنّ كلّ اللغات الطبيعيّة قائمة على محمل صوتيّ، بمعنى أنّ اللّغة أصوات، أو هي حسب بعض التعريفات اللّسانيّة الحديثة صوت ومعنى (النحو التوليدي). والأصوات اللّغوية هي حدث فيزيائيّ محسوس قابل للقياس مثل أيّ صوت آخر موجود في الطبيعة. وينتج هذا الصوت حسب القدامى (الرئيس ابن سينا) من قرع أو قلع، فتنتج عنه ذبذبات تنتشر عبر الفضاء الخارجيّ، يُسمع لها نبر أو صدى. والصوت في اللّغة غفل لا معنى له، وإن اكتسبت الكلمات والعبارات معناها من تشكّل الأصوات وائتلافها في ما بينها. وكلّ صوت من أصوات اللّغة تتجلّى قيمته باعتباره صوتا متميّزا أو غير متميّز، وتميّزه يظهر في مقابلته لأصوات أخرى، وذلك من نحو أنّ التاء والطاء في العربيّة صوتان متمايزان ( مثل قولنا "تين" و "طين" ) في الوقت الذي يكونان فيه في لغات أخرى (كالفرنسيّة والأنقليزيّة مثلا) تنويعين صوتيين لا غير.
والأصوات في العربيّة (مثل غيرها من اللّغات الأخرى) تقسّم فيها الأصوات تقسيما عريضا، يشمل الأصوات المصوّتة والأصوات الصائتة، أي ما نطلق عليه في العربيّة الحروف والحركات. ولكلّ هذه الأصوات حيّزات معلومة في جهاز التصويت أو مواضع نطقية محدّدة تبدأ من الشفتين وتنتهي بالحنجرة والحلق، ولهذه الأصوات صفات أيضا كالجهر والهمس والشدّة والرخاوة وغيرها.
والفرق بين الصوامت (الحروف) والصوائت (الحركات) بيّن لا محالة، باعتبار أن الصوامت يعترضها معترض عند انسيابها في آلة التصويت، في الوقت الذي تنساب فيه الصوائت انسيابا حرّا لا يعترضها فيه أيّ معترض. وإذا كانت الصوامت تتوزع بين المجهور والمهموس (بالنظر إلى ذبذبة الأوتار الصوتيّة) فإن الصوائت كلّها مجهورة.
ومن حيث عدد هذه الأصوات في العربيّة، تتوزّع الصوامت على ثمانية وعشرين حرفا، في حين لا يتجاوز عدد الصوائت فيها الثلاث حركات تقابلها ثلاث أخرى طويلة أو مشبعة. وهذه الحركات بالرغم من قلّتها لها وظائف مهمّة، إذ هي لا تقتصر على تحريك الحرف فحسب، وإنما هي تميّز بين الصيغ الصرفيّة، وذلك من نحو قولنا مُكرِم (بالكسر) ومُكرَم (بالفتح) أو مُستثمِر ومُستثمَر وغيرها، وهي تميّز بين بعض الكلمات في دلالاتها المعجميّة، وذلك من نحو قولنا سَنة وسِنة وثمَّ وثُمِّ وقَطر وقُطر وغيرها، وأخيرا فإنّ دور الحركات في ضبط الإعراب غير خاف باعتبار أن الضمّة تدلّ على الفاعليّة والفتحة على المفعوليّة، وقس على ذلك.
هذه الحركات وبالرغم من محدوديّة عددها لها دور مهمّ بالنظر إلى وظيفتها المشار إليها، وإن بدت في الظاهر أنها شيء تابع أو ملحق، وذلك بسبب من هامشيتها في مستوى الخطّ أو الكتابة، أي أنّها عبارة عن رموز تحتلّ مكانا فوق الحرف أو تحته ولا تتبعه مثلما تقرّه سلسلة الكلام المنطوقة. لهذا وحتى نعطي الحركات قيمتها الحقيقيّة لا بدّ أن نميّز بشكل دقيق بين المنطوق والمكتوب.
هذه جملة من خصائص العربيّة في المستوى الصوتيّ. ومنها أيضا خصائص أخرى، وذلك من نحو أنّ ائتلاف بعض الأصوات المتقاربة جدّا أو المتباعدة جدّا، سواء في موضع النطق أو الصفات، غير وارد. وائتلاف الأصوات لا يتعلّق بطبيعة الحروف في حدّ ذاتها، وإنّما يتعلّق بالحركات أيضا. وذلك من نحو الانتقال من الضمّة إلى الكسرة أو العكس، ومن نحو وجود أربع حركات لوازم في الكلمة الواحدة، أو من نحو التوافق بين الفتحة والحروف الحلقيّة وغيرها.
الخصائص الصوتيّة المشار إليها، وخصائص أخرى غيرها، تبرز قيمة اللّغة العربيّة من حيث النطق والكتابة، ومن حيث أبنية الكلمات حروفا وأسماء وأفعالا، مثلما تسم التركيب أو الجملة ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى ظاهرة الوقف والإمالة وما شابه ذلك.
|
|
|