
أدب الشباب بين الحضور والغياب
د. رزاق محمود الحكيم
أصبح أدب الشباب مصطلحاً نقدياً يمثل حركة ثقافية وإبداعية ، لجيل أدبي هو جيل الشباب فهل إن مصطلح أدب الشبـــاب هو مصطلح نوعي يتعلق بإبداعـات الكتـــاب من ذوي الأعمار اليافعة والتجارب الجديدة ؟ أم إنه يمثل جيل الحداثة الأدبية والتجديد ؟ وهل هناك أدب للشباب وأدب للشيوخ ، وأدب للرجال ، وادب للنساء ؟ كل هذه الأسئلة تواجهنـا ونحن نطرح مصطلح أدب الشباب ، لنستجلي الجوانب الخفية الكامنة وراء هذا المصطلح .
يبدو لنا أن المسيرة الأدبية للكاتب تأخذ أشكالا متنوعة بتنوع التجارب ، وطبيعة المعارف المكتسبة ، واختلاف الأجواء الثقافيـــة بين منطقة وأخرى ، أو بين مجتمع وآخــر ، وعلى أية حال فإن قصر عمر التجربة الأدبية يجعلنـــا نصفها بالشبابية والفتوة ، وهي مرحلة متميزة في حياة كل أديب أو كاتب،فبداية الممارسة الإبداعية إذاً تعني إنها لازالت في طور النشوء والنمو والتدريب والتمرين ، والاكتساب والتحصيل ، وعلى قدر المخزون المعرفي والتحصيل العلمي تكون التجارب ، وتتوضح معالم هذه الظاهرة التي تسمى " أدب الشباب " .
عـــادة ماتكون هذه التجربة الشبابيــة في فترة الشبــــاب والفتوة ، حيث تتفتـــح المواهب ، وتظهر الميول والرغبات ، فيندفع الشباب إلى كتابة النص الأدبي ، سواء كــان نصاً شعرياً أو قصصياً ، أو نقدياً ، وغالباً ماتتميز النصوص الأدبية الشبانية بظاهرتين متناقضتين : الظاهرة الأولى : ظاهرة التقليد ، وتمثل هذه الظاهرة فئة من الشباب الذين ينبهرون بكاتب ، أو شاعــر أو روائي، فيندفعون إلى محاكاته ، وتقليده في أفكاره ومواقفه ، بل وفي صوره الفنية وتراكيبه ، ثم لايستطيعون التخلص فيمابعد من أسـر التقليد نظراً لكونهم لايقرؤون إلا له ، ولا يحفظون إلا له ، ولا يعجبون إلا به ، والسبيل الوحيـــــد للتخلص من هذه التبعية الأدبية ، أو هذا المسخ التعبيـري ، والنسخ الإبداعي ، هـــو تنويع القراءات ، وسعـــــة الاطلاع على التجارب الأدبية من مختلف الأعمار والتخصصات والمذاهب والأساليب ، وحينئذ يكتسب هؤلاء الشباب قاعدة ثقافية يمكن الاعتماد عليها ، والانطلاق بعد ذلك في كتابة النصوص الإبداعية .
أما الفئة الثانية فهي تمثل أولئك الشباب الذين انبهروا بالثقافات الأجنبية ، وقد يبالغ البعض منهم في الغلو والتطرف ، فيرفضون الإرث الثقــــافي العربي جملة وتفصيلا ، وينفتحون على التجارب الأدبية الأجنبية ، معتقدين أن ذلك الانفتاح ، أو الانفلات هو عين الصواب ، وانهم لا يستسيغون القواعد الأدبية للجيل السابق عليهم ، فيقعون في أســـر التقليد أيضاً ، لأن التقليد هو التقليد ، سواء قلدنا التجارب الأدبية العربية القديمة ، أو قلدنا التجارب الأجنبية الحديثة ، وإذاً فماذا ينبغي على الشباب أن يفعلوه لإثراء وتنمية مواهبهم الأدبية ؟
لاشك أن اكتساب المهارات الأدبية يحتــاج إلى وقت ، ومراحل تنمو فيها القدرات وتتطور شيئاً فشيئاً ، ومع سعـــة الاطلاع وإعادة النظـــــر في المواقف وتصحيحها ، تتبلــور المواهب وتتعمق التجربة ، فالإبداع مرحلة متأخرة في عمـــــر التجـربة الأدبية ، إذ لايتمكن الكاتب في فترة الفتوة وصغر التجربة الأدبية أن يكتب نصاً إبداعياً راقياً . إن قريحة المبدع تشبه إلى حد كبير الشجرة التي لاتثمر إلا في في أوانهـــــا وبعد مرور عدة سنوات، وهكــذا فإن الإبداع هو هو ثمرة هذه التجربة الأدبيـــــة ، يأتي بعـــــد سلسلة من التجارب ، والممارسات والقراءات ، ولايزال الأديب يواصل القــــــراءة ، ويعمق تجاربه في الحيـاة والناس ، ويعيد النظــــر في نصوصه ومواقفه ، ويقوّم نفسه ، ويصقل موهبته إلى أن يصل إلى مرتبــة متقدمـــة في الفن .
وعلى أية حال فإن آفة التجربة الأدبيـة الشبانية هي النرجسية ، فإذا أصيب الأديب بالغرور ، وأحس بالعنجهية والزهو أغلق أذنيه عن سماع غيره ، وعينيه عن قراءة ومتابعـة النصوص الإبداعية لأدباء من جيله، أو من الجيل السابق ، وإذا فعل ذلك فقد حكم على موهبته بالجمود ، وإبداعه بالسطحية والتكرار ، ولازال الأديب المبدع يقـــرأ ويطلع ، ويتــــابع ويفهم ويستفهم ، فيضيف إلى نصوصه الإبداعيــــة إضافات جديدة ، ويلون صوره الفنيـــــة تلوينات وإضاءات تكشف للقارىء عوالم ممتعة ومشوقة ، إلى أن يصل بفنه إلى مرحلة يتحول فيه إلى ناقد ، فلا يرضى عن أي نص يكتبه ، فليست العبرة في أن يكثر من الكتابة كما كان في السابق ، ولكنه الآن يرغب في أن يقدم شيئاً جديداً يرقى إلى مستوى الفن والأدب والإبداع .
|
|
|