|

دوامة اللغة العربية
أ. منّي بونعامة
هل تحتاج اللغة العربية إلى حماية وتحصين قانوني ينتشلها من وضعها الراهن؟ وهل نحن إزاء وضع حرج إلى هذا الحد؟ قد يبدو للبعض وجود مبرّر وجيه لطرح مثل هذا التساؤل، خاصة في ظل القوانين والمراسيم والمبادرات الكثيرة التي تنتشر، كالنار في الهشيم، في العديد من البلدان العربية، والحق أن ثمة ما يبرّر ذلك؛ فاللغة العربية اليوم تعيش في دوامة مستمرة تكشف بجلاء عن الوضع الحرج الذي تعانيه، وما يتهدّدها من مخاطر، ويمكن النظر إليها من نواحٍ عدة تتصدّرها مكانة اللغة العربية في اللسان العربي الراهن، وهي مكانة تبعث على الأسى والحزن بسبب الصدّ والإهمال والعزوف الذي تواجهه اللغة من لّدن أبنائها، وإشاعة المحكية العامية وانتشار العُجمة واللّحن، وغياب اللغة العربية عن المؤسسات التعليمية، واستبعادها في التخصصات العلمية، وإبعادها من مجالات التفكير والعلوم والمعارف والأبحاث والدراسات والتقنيات الحديثة والصناعات المنتجة، فضلاً عن التقليل من شأنها في سوق العمل .
مخاوف وهواجس، وترقّب لما هو أدهى وأمر، وغزو فكري، واستلاب حضاري، كلها تتصدّر قائمة المحصّلة العامة أو التّشخيص الكلّي لواقع اللغة العربية في البلدان العربية، وهو واقع ومخيف، وعلى ضوء معطيات هذا الواقع تتعالى الأصوات التي تنادي بحماية اللغة العربية وتحصينها، وظهرت بعض الدراسات الجادة التي تدعو إلى حماية اللغة العربية والمحافظة عليها من أهمها الحماية القانونية للغة العربية "دراسة مقارنة" أنجزها الدكتور أحمد عبدالظاهر .
كم حبر أسيل وسواد رُقّمِ في بياض منافحة عن اللغة العربية ودفاعاً عنها توجساً مما يخفيه مقبل الأيام من مخاطر وشيكة نستحضرها كل عام في اليوم العالمي للغة العربية، وبين الواقع والمأمول مسافة طويلة مليئة بالأسئلة الحائرة .
صحيح أن ثمة بعض الحقائق الأكيدة التي لا يمكن إغفالها في هذا المجال أولها أن اللغة العربية تم ترسيمها في الدساتير العربية بوصفها اللغة الرسمية والوطنية، كما تم إنشاء ودعم جمعيات ومجامع لحماية اللغة العربية، وتبني سياسات من شأنها المحافظة على اللغة وصمودها في وجه السيل الجارف للعولمة والغزو الثقافي، بيد أن ذلك لم يسهم، إلى الآن، في انتشال اللغة العربية ، بل ما زال يتم تجاوزها والاعراض عنها بحجج واهية، بزعم التوازن بين ضرورات الحياة ومقتضيات العصر .
إن القوانين مهما كانت صرامتها لن تحصّن اللغة العربية ما لم تتغيّر السياسات التعليمية والثقافية، وتعزيز وعي مجتمعاتنا بأهمية العربية، لكونها ليست لغة فحسب، بل هوية وانتماء، ولعل في المبادرات القيّمة والعناية الكبيرة التي توليها دولة الإمارات العربية المتحدة ما يثلج الصدر، ويدعو إلى استشراف مستقبل للغة العربية أكثر إشراقاً وتحصيناً وتمكيناً .
الخليج
|
|
|
|