|

تـاء التـأنيث
أ.د. محمد الدعمي
لطالما أعيت تهمة الحط من شأن المرأة الأساتذة العرب والمسلمين العاملين في الجامعات الغربية، خاصة وأن بعضهم قد عيّن نفسه مدافعاً جسوراً عن الحضارة العربية الإسلامية، بغض النظر عما في هذه الطريق من مطبات وحفريات لايمكن لأحد أن يتنبأ بها في صفوف الجامعات الغربية. من هذه المطبات، على سبيل المثال، هو كيف يمكن أن يشرح المرء لطلبة غربيين ممارسة وأد البنات الجاهلية قبل الإسلام، خاصة في سياق التحسينات والتقدم الذي فرضه ظهور الإسلام على حال المرأة. ولكن مع هذا كله يبقى هذا العنوان من أضعف البقاع الرخوة في تاريخنا وثقافتنا بعدما استثمره العقل الغربي المضاد لهذه الثقافة منفذاً لبث أنواع النقد والتجريح لتاريخنا، خاصة بقدر تعلق الأمر بالنظرة الدونية نحو المرأة، اي النظرة التي لا يصعب على المراقب تشخيصها عند البعض من العرب والمسلمين اليوم، ابتداءً من مناقشات حول استعمال النقاب والخمار، وانتهاءً بممارسة تعدد الزوجات بلا مسؤولية ولا ضوابط.
بيد أن المعضلة تزداد سوءاً عند توظيف الذهنية الغربية تبلورات الحاضر المعاصر أداة لتوكيد المفاهيم المسبقة والنمطية والخاطئة التي أسهم الاستشراق والاستعراب في إشاعتهما عبر أعماق الثقافات الغربية ضد التراث العربي والإسلامي، ماضياً وحاضراً، ناهيك عن طفو العديد من الممارسات الحاطة من شأن "الجمال الشرقي" الحبيس أو المخمر، وهي الممارسات التي تزيد هؤلاء المدافعين عن ثقافتنا وحياتنا الروحية إحراجاً وتلعثماً في القاعات الأكاديمية هناك وعبر الإعلام والثقافة الشائعة. لماذا، إذاً، تُعمق بعض الأنظمة الاجتماعية والسياسية الانطباعات السلبية الراسبة وتكرسها في قعر العقل الغربي بقدر تعلق الأمر بطرائق تعاملنا "العلوية" مع المرأة كمخلوق أدنى قيمة أو كإنسان فيه بعض الضعف بسبب الجنس sex أو الجنوسة gender. انه لمن المؤسف بحق أن تغمر وسائل الإعلام والثقافة الشائعة العربية والإسلامية نفسها بصور سلبية للمرأة بطريقة تكرس تلك الانطباعات السلبية التي أشرنا إليها أعلاه. لاحظ كذلك انجراف العديد من أصحاب الأصوات المسموعة في تيارات رجوعية بدلاً من الحث التقدمي المتوثب إلى أمام على سبيل تحرير المرأة وكسر أغلالها، ليس من خلال التشريعات والتعليمات فقط، بل كذلك من خلال التعامل اليومي اللاواعي الذي يعكس نظرة دونية للمرأة بوصفها أداة متعة أو إناء إنجاب فحسب.
وإذا ما كنا هنا في سياق نقد المئات من الممارسات والخطابات الخاطئة، بل والجارحة لكرامة النسوة في عالمنا العربي/الإسلامي، فان علينا أن نلاحظ الطرائق الفنية التي تعمق الانطباعات المذكورة في أعلاه. وأود هنا أن ألاحظ كيف نسيء لنسوتنا حتى في اللغة العربية ومن خلال حرف نحوها بشكل يعكس جهلاً مخزياً في أحيان عدة: فمن ميزات اللغة العربية مقارنة بسواها من اللغات، خاصة الآرية أو الهندو/أوروبية، هو أن لغتنا تحتفظ بدقة مذهلة للتمييز بين المذكر masculine والمؤنث feminine، وهذه من سجايا العربية التي تشمل بنى الجملة وتركيبات الأفعال والأسماء وأسماء الإشارة، من بين جوانب أخرى تعكس دقة العربية في هذا المجال: ففي اللغة الإنكليزية، كما هي عليه الحال مع أغلب اللغات الآرية نقول "This is a doctor"، هذا طبيب، ولكن لا نميز جنسه، هل هو طبيب أم طبيبة، بينما يكون ذلك مفروضاً منه في اللغة العربية: هذه طبيبة، اسم الإشارة خاص بالمؤنث والاسم نفسه مؤنث. هذه من مزايا اللغة العربية التي تتفوق بها على اللغات الأوروبية. إذاً، هل ينبغي أن نحافظ على هذه المزية الخاصة بتحديد الجنس؛ أم أن علينا أن نتعامى ونتماهى في محاكاة العالم الغربي وتقاليده المستوردة، فنزيل عن لغتنا شيئاً من دقتها وجمالها بازالة التذكير والتأنيث، كما اعتدنا أن نفعل هذه الأيام فنكتب اليافطات على أبواب المكاتب كالآتي: "السفير فاطمة بن حسن"، و "القاضي زينب بن علي" و "الوزير رفيدة سعدون"! وقد أخذت هذه الظاهرة تنتشر في الحياة والثقافة العربية على نحو مضحك بسبب ماتنطوي عليه من تذكير ما لا داعي لتذكيره بدلاً من التمسك بالأنوثة التي تتشبث اليوم بتأنيث حتى في الرموز العلمية، فتكتب (دة) بدلاً عن (د.) تمسكاً وتفاخراً بالأنوثة بديلاً عن الترفع عنها، كما تفعل شقيقتي الكاتبة والأكاديمية دة. لاهاي الدعمي (جامعة بغداد) مفتخرة بهذه الصفة على نحو مبرر.
16/5/2011
صحيفة الوطن العُمانية
|
|
|
|