اللغة والوعي

شهد مؤتمر اللغة العربية الذي أقيم في إمارة دبي، تجمع نخبة من الأكاديميين والمتخصصين في المجال، من مختلف بلدان الوطن العربي، حيث نال الخوض في دور المجامع اللغوية العلمية العربية، اهتماماً نقدياً يتعلق بالفجوة بين ما يطرأ على اللغة في الممارسات العامة وما يصنعه المجمع العربي، باعتباره مرجعية رسمية لإنتاج المعاجم.
تلك النقاشات أشارت إلى أن المجامع العربية تسعى إلى (تعريب) بعض (الكلمات) التي أصبحت أساسية في العربية المحكية، وتصنف بـ (بالدخيلة) أو غير العربية، مثل كلمة (سكايب) المتعلقة ببرنامج للتواصل بين الأشخاص عن طريق الهاتف الذكي، وتعريبها إلى كلمة (العلالي) وهي مفردة مرتبطة بالمنطقة المرتفعة، يقصد بها المقيم في الطبقات العليا.
تساؤلات كثيرة استوضحت عن فائدة تعريب تلك المصطلحات، بمفاهيم بعيدة عن الشارع ومنطقة الأحاديث اليومية بين الناس، وهو ما يفتح ملف الولادة المستمرة للغة من قبل الناس، والسؤال الأبرز اليوم: كيف يفكر محررو المعاجم العربية؟
ومن يملك الحق في جعل (الكلمة) حقيقية، وإضافتها إلى المعجم ككلمة تحمل مفهوم الاسم والفعل وآلية الاستخدام؟
لا يحضر سؤال (من يكتب المعاجم؟) بقوة في مخيلة القارئ أو الباحث العادي حول معاني الكلمات واستخداماتها في المعجم، كما أوضحت البروفيسورة في اللغة الإنجليزية آني كورزن، والعضوة في لجنة الاستخدام التابعة لقاموس (أميريكان هيرتج)، مبينة أهمية النظر إلى المعاجم في كونها إنتاجاً إنسانياً، وتحتمل الرؤية النقدية الدائمة، وأن خوض غمار صناعة اللغة يجب أن يمثل محطة مثيرة للاهتمام في الوعي العام للأفراد، بتوضيح أنهم جزء من مفهوم (الاستمرارية) للغة الحيّة، مؤكدة: «يجب التوقف عن التفكير المستمر بأن اللغة في مأزق».
وبالعودة للوضع العربي فإن هناك حضوراً قوياً لمفهوم (الإشكالية) في اللغة العربية على مستوى الاستخدام من جهة، وعلى مستوى غيابها كلغة إنتاج حضاري واقتصادي، ويتجسد ذلك في ما تناولته المؤتمرات واللقاءات من محاور متعددة تتنبأ بضمورها وضعفها، ما يعيد تأكيد التوجس المستمر الذي يصاب به الأفراد أو المجتمعات من فقدان جودة اللغة ورصانتها الفعلية. ويمكن اعتبار التجربة العربية، تجربة واقعية وتراكمية متأزمة، في كونها انطلقت من موقف تقليل الأضرار للمفردات الدخيلة، والأخطاء اللغوية، والابتعاد عن المشاركة الاجتماعية لابتكار حلول إبداعية من الأفراد في المجتمع.
يمثل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أحد أهم المراكز اللغوية بالتوازي مع المجمع اللغوي في دمشق وبغداد، والذي تم تأسيسه في عام 1932، والهادف إلى المحافظة على سلامة اللغة، وجعلها متوافقة مع جميع العلوم والفنون، وما يتناسب مع حاجات العصر الحاضر، إلى جانب أن المجمع يلعب دور تحديد ما ينبغي استعماله أو تجنبه من الألفاظ والتراكيب في المعاجم، ما يطرح سؤالاً عن ماهية تلك الأطر والاستخدامات لتصنيف أشكال الألفاظ التي ينبغي تجنبها، هل لأنها ذات صيغة عامية أو غير رسمية أو غير منطقية أو دخيلة، وهل هذه المبررات تكفي لإبعادها عن المعاجم العربية، ما يطرح ملفاً جدلياً في كيفية تفكير القائمين على تحرير المعاجم أو القواميس، وأين تكمن سلطتهم في التفاعل مع تطورات اللغة العربية.
اعتبرت البروفيسورة آني كورزن، عملها في لجنة الاستخدام في قاموس (أميريكان هيرتج)، مثالاً جيداً في إعداد الفضاء النوعي للقارئ وقالت: «نسعى لإضفاء إحساس بشأن آراء الاستعمال المتنازع عليها، نحن لسنا أكاديمية لغة، ولا نطلق الأحكام المطلقة على المفردات، ويجب الوعي بأن الكلمة تستمد حقيقتها عبر مجموعة من الناس، يتحدثون بها ويفهمون معانيها».
يبقى البحث الثقافي والاجتماعي والإنساني في مسألة صناعة معاجم اللغة، عن صحيفة الاتحاد الإماراتية من المحاور الأكثر ثراءً وجدلاً، خاصة عند مناقشتها لمتغيرات ابتداع الكلمة وجعلها ضمن التناول العام في المجتمعات.

الرأي