|

المتطرفون واللغة العربية
د. سعيد السريحي
يوم أن دعا الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير عكاظ محرري الجريدة إلى العشاء في منزله وقف زميلنا جوزيف حرب القادم من لبنان يتحدث شاكرا الداعي مفتتحا كلماته بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وهو ما جعلنا نشعر بدهشة خلنا معها أن زميلنا المسيحي سوف يعلن إسلامه في ذلك المساء غير أنه مضى في خطبته شاكرا الداعي مثنيا على زملاء العمل مؤكدا على روابط الصداقة والمحبة التي تجمعه بهم رغم اختلاف الوطن والدين.
وحين خلوت إلى ذلك الزميل لم أستطع أن أقاوم الفضول فسألته كيف استهل خطبته، وهو المسيحي، بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، ولست أنسى نظرة الاستغراب التي رمقني بها وهو يقول: أخي سعيد هذه تقاليد الخطابة في الثقافة العربية ونحن مسيحيي الشرق عرب وثقافتنا هي الثقافة العربية.
تذكرت آنذاك المفكر والقيادي المصري مكرم عبيد والذي كان كثير الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في خطبه وأحاديثه دون أن تحول نصرانيته وقبطيته بينه وبين ذلك، وقد عرفت عنه مقولته الشهيرة: نحن مسلمون وطنا نصارى دينا، ومقولة: كل مسيحي عربي هو مسلم ثقافيا.
تذكرت هذا الترابط الوثيق بين العربية لغة والإسلام دينا وأنا أقرأ ما تحدثت به وعنه المشاركون في مؤتمر وزراء الثقافة العربية المنعقد في الرياض من خطر الإرهاب على اللغة العربية انطلاقا من أن التشويه الذي يلحقه المتطرفون والإرهابيون بصورة الإسلام سوف يلحق باللغة العربية فتصبح هي كذلك موصومة بما بات يوصم به الإسلام، زورا وبهتانا، من أنه دين يحض على الكراهية والإقصاء ويحرض على القتل والإرهاب، ولم تكن تلك الصورة التي نعرف ويعرف المنصفون زيفها سوى نتاجا لما يرتكبه المتطرفون والإرهابيون من قتل وعنف تحت مسمى الإسلام والإسلام منهم براء.
اللغة العربية التي اكتسبت من الإسلام ثقافتها أصبحت مهددة كذلك بتلك الأفعال الشائنة التي يرتكبها الإرهابيون، والمسيحيون الذين كانوا يتباهون بأنهم مسلمون ثقافيا لن يكون بإمكانهم أن يتباهوا بذلك ما لم يعرف العالم أجمع أن لغة وثقافة تلك الجماعات التكفيرية لا يمكن لها أن تمثل اللغة العربية ولا ثقافتها كما أن معتقداتهم الخاوية على عروشها لا يمكن لها أن تمثل الإسلام.
عكاظ
|
|
|
|