صورة العرب وأدبهم ومخطوطاتهم في البلقان

محمد م. الارناؤوط

في أول ندوة دولية عن العلاقات العربية البلقانية عقدت في الدوحة (19-20 تشرين الثاني/نوفمبر) 2014 ، بتنظيم من منتدى العلاقات العربية والدولية وحضور أكاديمي نوعي من الجامعات العربية والبلقانية، توافرت فرصة جيدة للتعرّف على صورة العرب في الاداب البلقانية والمخطوطات العربية هناك وترجمة الادب العربي الى اللغات البلقانية وترجمة الاداب البلقانية الى اللغة العربية مع التركيز على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.

ونوّه الدكتور خالد ارن مدير مركز الابحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية في اسطنبول (ارسيكا) التابع لمنظمة التعاون الاسلامي الى ما يقوم به المركز من ندوات في البلقان وفي المنطقة العربية عن التاريخ الحضاري المشترك والى إصداراته الكثيرة في هذا المجال ، بينما ركز د. حارث سيلاجيتش الرئيس البوسنوي السابق على الاهمية التاريخية لتجربة التعايش في البلقان التي ازدهرت حوالي ستة قرون بفضل الاسلام بعد سقوط الاندلس، مؤكداً ان ذلك يفرض على أوروبا ألا تُقصر جذورها المشتركة على اليهودية والمسيحية باعتبار ان الاندلس ثم البلقان تبرزان ان الاسلام يستحق ان يكون من عناصر التنوع الثقافي في أوروبا.

كشفت الندوة عن بعض الجوانب غير المعروفة في العلاقات التاريخية بين الطرفين. د.عبد الرحيم بنحادة من المغرب كشف عن العلاقات التي كانت بين جمهورية راغوصة أو دوبروفنيك وبين سلطنة المغرب خلال القرن الثامن عشر وردة فعل الدولة العثمانية على تنامي العلاقات بينهما وعن رسائل متبادلة بين رئيس دوبروفنيك وسلاطنة المغرب بالعربية ، وهي الرسائل التي يحتفظ بها الى الان مركز الوثائق في مدينة دوبروفنيك التاريخية بجمهورية كرواتيا .

ومن ذلك أيضا د. محمد عفيفي من مصر الذي تناول «العلاقات المصرية – اليوغسلافية 1944-1959» والفرق بين موقف النظام الملكي (1944-1952) والنظام الجمهوري الجديد(1953-1959) من العلاقات مع يوغسلافيا التي ارتبطت بوضع المسلمين هناك. فعلى حين كانت النظام الملكي يعبّر عن اهتمام أكبر بوضع المسلمين ويعمل على مساعدتهم تغيّرت نظرة النظام الجمهوري مع زيارة الرئيس عبدالناصر الى يوغسلافيا في 1958 بعد تلقيه تقرير من أجهزة الامن يقول بأن المسلمين في يوغسلافيا بخير وهم «يتمتعون بكافة الحقوق السياسية والاجتماعية كبقية مواطنيهم»، ولذلك تحسنت العلاقة بسرعة مع يوغسلافيا التيتوية .

ومن الجانب البلقاني كان هناك اسهامان مميزان في الجانب التاريخي، حيث كشف د. ناصر فيري من كوسوفو في ورقته «أساطير وعبادات في غرب البلقان من أصول شرق أوسطية» عن بعض الالهة ذات الاصول الفينيقية التي كانت تحظى بأتباع لها في البلقان، على حين أن د. دراغي جورجييف من مكدونيا كشف عن وجود حرفي مكدوني في مدن مصر والقاهرة خلال القرن التاسع عشر بالاستناد الى دفاتر الجزية العثمانية، وبخاصة وجود خياطين من مدن مكدونيا استقروا في القاهرة ودمشق والقدس.

في الجانب التاريخي الثقافي المرتبط بالحج المسيحي الى فلسطين وحج المسلمين الى الحجاز، تناول د. عودة الشرعة من الاردن الحج المسيحي من البلقان الى فلسطين مع التركيز على حج الصرب والجانب الثقافي – الديبلوماسي للحج. وكشف في هذه الورقة عن رسالة من امبراطور الصرب دوشان الى السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون في 731هـ/ 1332م يطلب فيها الاذن لزيارة القدس الشريف وطلب الامان. ومن ناحية أخرى تناول د. علاء الدين هوسيتش «الحج كصلة رابطة للبوسنة مع شبه جزيرة العرب خلال المرحلة العثمانية الكلاسيكية»، وبدايات الحج من البوسنة بالاستناد الى المصادر المختلفة، وتناول الجانب الثقافي الذي يتمثل في ما كتبه بعض الحجاج البشانقة عن رحلتهم الى الحجاز، والتي تستحق الترجمة الى العربية.

ويمكن القول إن الجانب الثقافي كان الابرز في هذه الندوة حيث خُصّصت لها جلستان وثماني أوراق سيطر على معظمها الجانب البلقاني، مما يعطيها قيمة خاصة بالنسبة الى العرب. فقد قدّم د. أحمد شريف ورقة عن «المخطوطات العربية كتراث ثقافي في مكدونيا خلال الحكم العثماني»، وقدّم د. فتحي مهدي من كوسوفو ورقة بعنوان «المخطوطات العربية في ألبانيا وكوسوفا»، بيّنا فيها وجود آلاف المخطوطات العربية في هذه الدول الثلاث وتحدثا عن أهم هذه المخطوطات في المجالات المختلفة (علوم القرآن والحديث والفقه وأصوله والتاريخ الخ). أما عن اللغة العربية وأدبها في البلقان فقد قدّمت د. عمرة مولوفيتش من قسم الاستشراق بجامعة سراييفو ورقة عن «وضع اللغة العربية في البوسنة وتحدياتها الراهنة»، بينما قدّمت د. جليلة بابوفيتش من معهد الدراسات الشرقية في سراييفو ورقة عن «سيرورة استقبال الادب العربي في البوسنة والهرسك» بيّنتا فيها الوجود التاريخي للغة العربية وأدبها في البوسنة وصولا الى هذه الايام التي تبرز فيها تحديات جديدة سواء بالنسبة لتعلم اللغة العربية أو لترجمة الادب العربي الى البوسنوية.

ومن البوسنة ورقتان مميزتان عن موضوعين جديدين بالنسبة الى العرب. الاول عرّفت به ورقة د. منير مويتش رئيسة قسم الدراسات الشرقية في جامعة سراييفو «الادب البوسنوي والمجلات البوسنوية بالابجدية العربية» حيث تحدث عن تطور ثقافي مهم لدى المسلمين في البوسنة يتمثل باعتماد الحروف العربية لكتابة لغتهم وأصدار عدة مجلات ثقافية بهذه الابجدية كانت تمثل اصرارا على التواصل مع العالم الاسلامي سواء خلال الحكم النمساوي 1878-1918 وحتى خلال العهد اليوغسلافي الملكي 1918-1941. وأما الورقة الثانية فقد قدّمها د. ميرزا سارايكتش عن «صورة العربي في الادب البشناقي» وبيّن فيها المغزى التاريخي لصورة «العربي الاسود» في آداب الصرب والبلغار والكروات الذي أصبح يمثل «الآخر» أو «العدو» الذي كان لا بد منه لاجل تنمية الهوية القومية‘ على حين ان صورة العربي في الادب البشناقي كانت ايجابية ولم تكن سلبية كما مثّل على ذلك بنماذج عديدة.

وبقي أخيراً جانب الترجمة في التفاعل الثقافي، حيث قدّم د. عيسى ميميشي رئيس قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا ورقة عن «ترجمة الادب العربي الى اللغة الالبانية» بيّن فيها الترجمات التي غطّت الادب العربي منذ امرىء القيس وحتى محمود درويش وأهم المختارات التي عرّفت الالبان بالادب العربي . أما من الجانب الاخر فقد قدّم اسماعيل أبو البندورة من الاردن ورقة شاملة عن «ترجمة آداب البلقان الى اللغة العربية» بيّن فيها دور الايديولوجيا في الترويج للترجمة في النصف الثاني للقرن العشرين وتراجع هذه الترجمة في العقدين الاخيرين وقدّم في نهايتها كشفاً تاريخياً بكل ما ترجم من الاداب البلقانية الى اللغة العربية سواء من اللغات الوسيطة (الفرنسية والانكليزية) أو من اللغات البلقانية مباشرة (البلغارية والصربية والالبانية الخ...).

الحياة