أي لغة تتكلمون في موريتانيا؟

د. أحمد محمدن المنى

 طرق باب مكتبي واستأذن بأدب. ما إن نطق حتى أكدت لهجته أنه من جنوب لبنان: صيدا أو صور. كان شابا أنيق المظهر يملأ جسمه بذلته. إنه مندوب مبيعات لإحدى الشركات التجارية وقد تعود على خطب ود الزبناء (العملاء كما يسمونهم في المشرق). رسالته أن لا يزور زبونا محتملا إلا زاد به سجل المشترين من الشركة وهو يحاول ذلك بكل ثمن.

بعدما دار الحديث بيننا حول بضاعته وأراد الانصراف وقع في نفسه أنه لم يلتق انموذجا بشريا مثل هذا من قبل. تصارعت في داخله غريزة حب الاطلاع والسؤال مع تطبع الالتزام بالموضوعية الجافة وعدم الخروج عن مميزات البضاعة وفوائدها وتفوقها على المنافسين. كانت الغلبة للطبع فقال لي: من أي بلد أنتو يا دكتور؟ قلت من موريتانيا. قال بريطانيا؟ رفعت الصوت جهرة: بل من موريتانيا!

في موريتانيا تحكو عربي؟ قلت لا. ما نحكي زي المصريين ولا الزلمات. سأل في جدية وانتباه: أي لغة تتكلمون في موريتانيا؟

قلت: لغة الضاد. أعاد السؤال فأعدت الجواب. قال لأول مرة أسمع بهذه اللغة. ما اسمها؟ كررت عليه لغة الضاد.

وعدني أن يبحث عنها في غوغل ثم سألني: "هل الناس في موريتانيا يفهمونني مثل ما تفهمني أنت أم أن لغتك متطورة عنهم؟" هكذا سأل هذا "العربي" المشرقي الذي لا يعرف لغة الضاد وما سمع بها من قبل.

القصص بين المشارقة والمغاربة كثيرة وقديمة متجددة. لا نلام إذا قلنا إن المغاربة كانوا دوما المتفوقين في مشاهدها ومناظراتها. وأذكر قصة سمعتها من أبي رحمه الله أن ثلاثة علماء تذاكروا في العلم في أيام منى- عراقي ومصري وأندلسي. فقال العراقي: العلم طائر وكره في بغداد ربما طار حول مصر ولكنه يرجع لوكره. فقال المصري: العلم طائر رأسه في بغداد وصدره في مصر وذيله في الأندلس. فقال الأندلسي: إذا فالطائر طاووس!

متى يستيقظ إخواننا المشارقة ويدركون أن الطائر طاووس؟؟

الأخبار