هل من أهمية في التدريس الجامعي باللغة الإنجليزية؟1 – 2

أ.د. محمد الربيعي

تعتبر لغة التدريس خصوصا في الكليات العلمية كالهندسة والطب والعلوم من القضايا التي شغلت وما زالت تشغل الكثير من التربويين وأساتذة الجامعات والمهتمين بتطوير التعليم العالي في عدد من الدول العربية. وبالرغم من إجماع الأكثرية على ضرورة التدريس باللغة الانجليزية فما زالت أعداد من أساتذة الجامعات تعارض هذا التوجه وتعتبره مضرا لاعتبارات قومية تتعلق بحبهم للغة العرب، وبضرورة عدم زعزعة الهوية اللغوية، والادعاء إن اللغة العربية أسمى اللغات التي ظهرت في تاريخ البشرية فهي لغة القرآن ولغة العبادة ولغة الشعائر ولغة العلماء ولغة التعامل مع التراث ولغة التاريخ ولغة الاتصال بالقيم .. الخ، ومستندين على أهمية إفهام الطالب بلغته الوطنية، ومدى المعاناة التي يواجهها في فهم المعاني والتي في الواقع قد يكون سببها ضعف التكوين اللغوي للأستاذ نفسه، وضعف تدريس اللغات في المدرسة.
ومن القصور المعرفي والعلمي ما زلنا لا نستطيع التواصل باللغات العالمية، ولا نستطيع التخاطب بأهم لغة عالمية وهي اللغة الانجليزية، وضعفنا هذا لا يعود إلى عدم رغبتنا في تعلمها، بل يعود ذلك إلى ضعف النظام التعليمي الأساسي والجامعي في تعليم اللغات. وإذا كانت هناك دعوة للاستمرار في تدريس العلوم والطب والهندسة في جامعاتنا باللغة العربية بتقدير أن الطريق إلى فهم المواد الدراسية يكون سهلا إذا درس الطالب المقررات الدراسية  باللغة العربية، فإن ذلك لا يتعارض مع الدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية. ذلك مع القناعة  بأن الصراع بين فريق التعريب وفريق التدريس باللغة الانجليزية سينتهي عندما يصبح المدرس والطالب العربي  ملما باللغة الانجليزية.
جعلتْ العولمة من اللغة الإنجليزية وسيلة مشتركة للتواصل في معظم البلدان. كما أن إعادة هيكلة الأنظمة الاقتصادية والإصلاحات المستمرة مطلوبة على الدوام وفي جميع دول العالم، وهناك حاجة إلى تقنيات مبتكرة لتلبية متطلبات العولمة منها إعداد مهنيين مسؤولين عن التعامل مع الأسواق والصناعة العالمية. والجامعات العربية  تبذل جهودها من اجل إعداد مثل هؤلاء المهنيين في المجالات الهندسية والطبية والاقتصادية والتجارية وغيرها، إلا إنها تعاني من قلة الكادر التدريسي المتمرس والمدرب في الجامعات العالمية والذي يعتبر من أهم وأصعب مهمات تطوير التعليم العالي. وإن تدريب التدريسي لكي يمتلك مهارات وظيفية وفنية و إنتاجية وإشرافية واحترافية واتصالية وتكريس روح الاهتمام عنده والتتبع والحماس لتعلم اللغات الأجنبية الحية مثل اللغة الانجليزية، يجب أن يأتي على رأس المهمات. وعندما يتعلق الأمر بالتعليم العالي وتأثير العولمة، يمكن أن نرى وتحديدا من حيث أهمية اللغات والمتغيرات التكنولوجية ، أن العولمة جعلت الإنجليزية لغة مشتركة للتواصل في معظم البلدان وأصبحت راسخة في العالم العربي. ولهذا السبب فإن المطلوب من الجامعات العربية  تحسين وتطوير مناهجها وطرق تدريس العلوم، إذ أن طلبة العلوم (الطب والهندسة والزراعة والعلوم الأساسية، والاقتصاد) يواجهون مسؤوليات وواجبات تتطلب مهارات جديدة، وان يكونوا قادرين على مواجهة المتطلبات التي وضعتها العولمة، ولذلك ليس من الخطأ أن نقول: إن العولمة غيرت تماما رؤية الدراسات العلمية، وبالتالي فإن طرق التدريس الحالية والتي تقوم على أساليب ومناهج عفا عليها الزمن يجب أن تتبنى نهجا إبداعيا ومتطورا ومرنا في آن واحد، وان تتطابق مع الاحتياجات العالمية الحالية بما في ذلك التدريس جزئيا باللغة الانجليزية (كطريقة الانجليزية كمحيط للتدريس). هذه الطريقة تتبنى أسلوب التدريس باستخدام لغتين، بالإضافة إلى استخدام اللغة الأجنبية كبديل للغة الوطنية ووسيلة للتواصل في المواضيع العلمية المختلفة، وبحيث يمكن تعليم الطلاب وفقا للمعايير الدولية ولكي يستطيع الطالب اكتساب المهارات العملية التي توفرها الجامعات العالمية، ولكن تحقيق هذه الطريقة بنجاح يحتاج إلى تدريب التدريسيين والطلبة عليها لتزويدهم بالمعرفة الصحيحة للغة.
ويقدم كتاب صدر حديثا  تجارب عدد من جامعات الدول التي تم تنفيذ تجربة تعليم اللغة الإنجليزية (EMI) فيها مثل الصين وفنلندا وهولندا وجنوب أفريقيا وأسبانيا، والتي تتميز بأوضاعها السياسية والثقافية والاجتماعية واللغوية المختلفة. وعلى وجه الخصوص، يطرح الكتاب النتائج المترتبة على تنفيذ برنامج EMI على أنها محاولة لكسب وضوح رؤية واستراتيجية، كاستجابة لحاجة الدول لتصبح قادرة على المنافسة في الأسواق الوطنية والدولية. وفيه يتم تحليل المخاطر والتحديات الخاصة بكل حالة، ويناقش آثار القضايا التربوية والمنهجية التي نشأت عند تنفيذ البرامج.
وأدى استخدام هذه الطريقة إلى تطوير ملموس في تدريس العلوم في البلدان التي استخدمتها. ووفقا لدراسة نمساوية فان دعم وزارة التربية والتعليم النمساوية لطريقة تدريس الانجليزية في المعاهد التعليمية قد ساعد في تحسين التعليم. وأوردت الدراسة  عدة أمثلة على استخدام طريقة المزج اللغوي كاستخدامها في الجامعات الاندونيسية حيث الهدف هو تعليم الطالب الكتابة والتحدث بلغتين وبكفاءة، وكذلك تبنتها كوريا كأسلوب للتدريس وبالخصوص تدريس العلوم والهندسة بغرض تحسين نوعية التعليم ومواجهة تحديات المنافسة العالمية بالرغم من الصعوبات التي واجهتها نتيجة ضعف أداء اللغة الانجليزية للمدرسين. وهنا نشير إلى أن تحسين المهارات اللغوية للمدرس وللطالب الجامعي يتطلب تطوير مناهج وأساليب تدريس اللغات في المرحلتين التعليميتين الابتدائي والثانوي، والتركيز على المهارات الأساسية التي تمكننا من مواصلة التعليم والتعلم باللغة الانجليزية والتي تنقل منها العلوم والمعارف والمهارات. ويتم ذلك في تعليم اللغة الإنجليزية بدءًا من الصف الأول الابتدائي كضرورة  لتعليم اللغات للناشئة من الطلبة في سن مبكرة، والتأكيد على تعليمها بصورة مكثفة في المرحلة المتوسطة والثانوية. ولعل ما دأب  عليه عدد من الدول الأوروبية كهولندا التي بدأت التجربة في عام 1990 وحيث أعطت للغة الانجليزية أهمية قصوى في التدريس الجامعي. وهناك العديد من الأمثلة في كل من  الدنمارك وألمانيا والسويد على نجاح هذا النوع من التدريس بلغتين.
ونلمس اليوم في الجامعات العربية دوافع شديدة لاستخدام اللغة الانجليزية في التدريس مما سيؤدي في المستقبل إلى تطوير التعاون الدولي وتحسين العلاقات مع دول العالم في المجالات التربوية والعلمية والتكنولوجية، لأننا نرى أهميتها من ناحية تعزيز التفاهم المشترك وتبادل المعلومات والاهتمام بما يحدث على الصعيد العالمي من تطورات واكتشافات جديدة. وتأكيدا على ضرورة التدريس باللغتين العربية والانجليزية أظهرت دراسة ألقت الضوء على  الجوانب السلبية لتدريس الهندسة والطب والعلوم بالعربية فقط بسبب عدم وجود التراجم العربية الكافية ونقص البحوث العلمية باللغة العربية بالإضافة إلى أن السوق يفضل من يعرف اللغة الانجليزية. وأظهرت أيضا أن 96% من طلبة جامعات الأردن و82% من طلبة جامعة الملك سعود يعتقدون أن طريقة خلط اللغتين أكثر ملاءمة لتعليم الهندسة والطب والعلوم.


عُمان