اللغة أيها المسؤول عنها

أ. عبدالله الناصر

هممت بأن أرسل مقرر السنة الابتدائية في اللغة العربية، هدية إلى أحد مسؤولي التعليم - في وطننا العربي - كي يتعلم حروف الجر، والعطف، والفاعل، والمفعول، وعمل كان، وأخوات كان، وهذه الأمور السهلة والبسيطة..! إذ انني -يشهد الله- كدت أغرق في ثيابي عرقاً بسبب الخجل الذي، انتابني، وأنا أسمع حديثه عن التعليم، فقد كان يتحدث بلغة عربية لا تقل سوءاً وهزالاً عن "عربيةِ" عامل آسيوي.!! والمصيبة أنه كان يتحدث عن طرق التدريس والمناهج بما فيها اللغة العربية، ويصر على أنها من أفضل المناهج إتقاناً ورصانة.. وقلت أبعد هذا العمر الطويل الذي قضيته في التعليم الأكاديمي، وفي الوظيفة التعليمية أبعد هذا تهيم، وتتخبط، وتغوص في الأمية، والشعبية إلى أذنيك، وترتع في مرتع الجهل بلا قيد؟! فترفع المجرور، وتخفض المنصوب، وتنصب المرفوع، وتتخبط على مزاجك، وليس على ضابط اللغة.. هل يعقل أن مسؤولاً عن معلمي اللغة، الذي ترفع إليه أمور أدائهم، وهم الذين يمتحنون الطلبة الصغار وربما رسبوهم عاماً كاملاً لأنهم أخفقوا في مادة اللغة، أيعقل أن يرسب هو في اللغة بامتياز..؟! لا تؤاخذني يا عزيزي المسؤول إن أنا نصحتك لوجه الله بقراءة مقرر اللغة العربية للسنة الابتدائية، فقد ينفعك كثيراً..!!

ربما تتجاهل عن عمد هذه النصيحة، وتعتبرها لغواً، وتزمتاً، وكلاماً حاثلاً، فتكابر، وتنافش، وتحاوص، مع أنك في قرارة نفسك تدرك حجم مأساتك.. ولكن من ذا يعاتب النعامة على حمقها كما تقول العرب.. ومن الحماقة يا عزيزي أن تتعامى وتتجاهل بأن عملك الوظيفي نعم الوظيفي - وليست أمانتك العلمية - يقتضي ويحتم عليك الوقوف والتأمل في أمرك هذا.. لا تقل إن عملي هو عمل إداري، فأقول لك: كلا هذه ليست مجرد إدارة شؤون عاملين في شركة دواجن.. إذ لا يجوز مهنياً وفي كل أعراف الدنيا وشرائعها العملية أن يمتهن المرء مهنة وهو جاهل بها وبأبسط أحكامها، وضوابطها وقوانينها المهنية، فلا يمكن لشخص ما أن يدعي معرفة الهندسة وهو يجهل طريقة معرفة مساحة الدائرة، ولا لطبيب أن يمارس مهنة الطب وهو لا يفرق بين عمل البطين الأيمن من الأيسر.. فهذه بلية من البلايا والرزايا الجسام.. فكم من البيوت ستنهد على رؤوس ساكنيها.. وكم من القلوب التي ستعطب ويذهب أصحابها فوراً إلى المقابر!.

وهكذا يا عزيزي المسؤول عن مناهج التعليم فإن النتيجة سوف تكون مضمونة ضمانك سطوع الشمس في شهر آب.. وهي أن ألسنة أطفالنا ستصبح مصابة بالاعوجاج والعجمة، كما أنهم لن يفرقوا بين التاء المربوطة، والعنز المربوطة.. وأن الهجنة ستصبح لغتهم الأم، ما دمت أعزك الله - وأنت المسؤول عن أمرهم - تعلج اللغة وتخلطها، وتلوكها كما لو كنت تلوك لباناً رديئاً وفاسداً..

كان أجدادنا غفر الله لهم يقولون في مثل هذا الأمر الذي أنت فيه: أعط القوس باريها.. فنحن أمام حالة لم يعد فيها قوس ولا بارٍ.. وكان شاعرهم أيضاً يقول:

إذا لم تستطعْ شيئاً فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيعُ

ونحن نعلم يا عزيزي أن مسألة "دعه" هذه غير واردة في حسابك فوراءها التشبث، وخفقان القلب، ونار الوجل.. ولكن نقول لك: إلى ما تستطيع.. إلى ما تستطيع.. فلعل وعسى، فمقرر اللغة الذي نصحتك به بسيط صغير، وخفيف الوزن، ويستطيع الطفل المجتهد هضمه واستيعابه في بضع ساعات.. فضعه في جيبك، وعلى مكتبك، فقد تجد فيه نفعاً كثيراً أعانك الله وسدد خطاك

الرياض