الوثائق الرسمية الصّادرة بغير العربية والأمازيغية لا تُرتّب جزاءات قانونية
عبد الرحيم العلام
يَنصّ الدستور المغربي على أن اللغات الرسمية للدولة هي العربية والأمازيغية، و "الرسمية" هنا هي بخلاف "الوطنية"، لأن النتائج القانونية التي تترتب على ترسِيم اللغة تختلف بشكل كبير عن اعتبارها وطنية. إذ لو اقتصر الدستور على التنصيص على كون اللغتين العربية والأمازيغية وطنيتان لَما كان على المؤسسات الرسمية للدولة أن تُلزِم نفسها بمخاطبة المواطنين والمرتفقين بهذه اللغات.
وبالتالي فإن المُشرّع الدستوري عندما رسّم كل من اللغة الأمازيغية والعربية، فهو بذلك يُلزِم كل مؤسسات الدولة بأن تتعامل مع المواطنين باللغتين معا، وبإمكان هذه المؤسسات أن تجتهد في الاقتصار على إحداهما إذا ما تبين لها أنه لا جدوى من كتابة الوثائق الرسمية بالأخرى، فمثلا إذا تبين أن بعض المناطق لا يحتاج سكانها إلى التعامل باللغة العربية، فإن بإمكان مؤسسات الدولة أن تكتفي بمخاطبتهم بالأمازيغية فقط، لكن إذا اشتكى شخص واحد على الأقل من كونه ضحيةَ لهذا القرار فإن الدولة ملزمة بكتابة وثائقها باللغتين معا. كما بإمكان مؤسسات الدولة أن تكتب وثائقها بلغات أخرى غير اللغتين العربية والأمازيغية، وذلك إذا تبين لها بأن مضمون الوثائق يهم الذين لا يتقنون اللغات الرسيمة للدولة، لكن شريطة أن تكون الأوراق مكتوبة أيضا باللغات الرسمية، فمثلا على المصالح المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء والهاتف ألا تقتصر على اللغتين العربية والأمازيغية إذا ما تبين لها بأن هناك العديد من الأجانب يستفيدون من هذه الخدمات. وهذا الأمر لا يُلزم الدولة من الناحية الدستورية ولكن يُلزمها من ناحية المصلحة العليا للدولة المتمثّلة في توفير الشروط الضرورية لاستقطاب السياح الأجانب وما يوفره ذلك من رواج للاقتصاد الوطني. ماذا يترتب على هذا التحليل؟
إن الوثائق الصادرة عن مصالح الدولة بغير اللغتين الرسميتين للبلاد، تعتبر غير دستورية ولا يمكنها أن تُرتّب أية مراكز قانونية على المواطنين، فهم إذا تجاهلوها لن يكونوا بذلك يقد ارتكب محضورا، لأنهم غير ملزمين بالتجاوب إلا مع الوثائق التي تَحمل ختم مؤسسات رسمية وبلغة رسمية. ولتوضيح ذلك نقترح المثال التالي: معلوم أن العديد من الوزارات أصبحت لا تقتطع من أجور المضربين عن العمل إلا بعد استفسار الموظف عن سبب تغيبه وإلا اعتبر اقتطاعها من راتبه مخالفا للقانون، ولذلك فإن كل الوزارت أصبحت ملزمة بتوجيه استفسارات للموظفين عن سبب التغيب، لكن يُلاحظ أن بعض الوزارات وجهت استفسارات إلى موظفيها باللغة الفرنسية وهذا أمر مخالف للدستور، وبالتالي فإن أي موظف وُجّهت له وزارته استفسارا بغير اللغات التي ينص الدستور على رسمتيها، يمكنه أن يحجم عن الرد عليه، وإذا ما وَجد أن راتبه قد اقتُطِع منه يمكن أن يقاضي الدولة لأنها لم تحترم مسطرة الاقتطاع، وإذا ما قيل له أنه توَصّل باستفسار مكتوب، فبإمكانه الطعن في ذلك لأن وثيقة الاستفسار مكتوبة بغير اللغة الرسمية للبلاد، وهو ما يجعلها في حكم العدم. ولكي نوضح الأمر أكثر يمكن أن نعطي هذا المثال الأكثر عمومية، فإذا ما تلقّى أيَّ مواطنٍ مغربي إشعارا من إحدى مصالح توزيع الماء والكهرباء يتضمن وقف تزويده بهذه الخدمات لسبب ما، فإن هذا الاشعار إذا لم يصدر باللغة العربية أو الأمازيغية أو بهما معا، فهو اشعار باطل ولا يُرتّب أية جزاءات قانونية.
إن هذا الأمر جارٍ به العمل في كل الدول التي تحترم لغاتها الوطنية والرسمية، وهو ملح أكثر في الدول التي تعرف تعددية لغوية، ففي كندا مثلا لا يمكن لأي وثيق رسمية أن تصدر بغير الانلجيزية أو الفرنسية أو هما معا، وفي سويسرا على مؤسسات الدولة أن تنشر وثائقها الرسمية بأربع لغات (الألمانية، الفرنسية، الايطالية، والرومانشية) مع إشارة طريفة وهي أن الرومانشية في سويسرا لا يتكلم بها إلا 50 ألف مواطن، ومع ذلك فهي رسمية، وإن كانت مؤسسات الدولة غير ملزمة بالكتابة بها في جميع المناطق بل فقط في الأماكن التي يتواجد بها متكلّموها.
هسبريس
|
|
|