|

اللغة العربية.. وضعف الطلبة.. وأسباب الضعف
د.أحمد جاسم الساعي
تحت عنوان “مطلوب مناهج شيقة للارتقاء بمستوى اللغة العربية” طالعتنا الصحافة المحلية بمجموعة من الآراء ووجهات النظر المتعلقة بضعف مستوى الطلبة في اللغة العربية، وتقييم المشكلة وتحديد أسبابها وإرجاعها لمسبباتها، واقتراح وسائل علاجها والارتقاء بمستوى الطلبة فيها. ومن خلال هذا اللقاء أو التحقيق الصحفي، وضع مجموعة من التربويين السابقين والمسؤولين الحاليين في المجلس الأعلى للتعليم أيديهم على بعض نواحي الضعف، التي تمثلت وفقا لوجهات نظرهم في.. عدم تماشي المناهج مع متطلبات العصر، عدم اعتزاز الطلبة بلغتهم الأصلية، عدم اهتمام الكثير من أولياء الأمور بثقافة أبنائهم اللغوية، تفضيل التحدث بلغة الغير، تغليب اللهجة المحلية على اللغة الفصحى، ضعف المعلم والمنهج وطرائق التدريس، جمود مناهج اللغة العربية، وغيرها من نواحي الضعف، والأسباب التي أدت وتؤدي إلى ضعف الكثير من الطلبة في اللغة العربية.
ويستدل على ذلك بإشارة رئيسة مكتب معايير اللغة العربية بالمجلس الأعلى للتعليم بقولها نصا “أن مخرجات اللغة العربية كانت في الماضي أفضل من الحاضر” وتبرير ذلك بحرص المعلمين وأولياء الأمور في الماضي على إتقان القراءة والكتابة.
وبدلالة الأسباب تضمن التحقيق الصحفي بعض الاقتراحات العلاجية مثل.. تمكين المعلمين من اللغة قراءة وكتابة ونطقا، وذلك وفقا لإشارة أحد التربويين السابقين، وتغيير مناهج اللغة وفقا لآخر، وتحاشي تفضيل اللغات الأعجمية والتحدث بها على حساب لغتنا الأصلية حسب قول آخر، وغيرها من الاقتراحات التربوية الفاعلة.
وعلاوة على مقترحات التحسين، شمل التحقيق على بعض الإشارات المتعلقة بمحاولات الإصلاح العديدة، التي أشارت إليها رئيسة مكتب معايير اللغة العربية بهيئة التعليم بالمجلس الأعلى للتعليم، مثل الجهود الكبيرة التي يتبناها المجلس الأعلى للتعليم من أجل الارتقاء بمستوى اللغة العربية في مدارس الدولة وبين منتسبيها من الطلبة والمعلمين على حد سواء، فقد أشارت السيدة الفاضلة رئيسة المكتب على سبيل المثال إلى بعض الدورات التدريبية، وورش العمل، وزيارات المتابعة، ومسابقات تهجئة الكلمات العربية، ومسابقات تصويب الأخطاء، ومحاولات تمكين المعلمين والمعلمات من اللغة العربية.. وغيرها من الجهود والمحاولات الموفقة وغير الموفقة، والفاعلة وغير الفاعلة، من وجهة نظر المجلس الأعلى للتعليم، وبعض التربويين السابقين.
وتعقيبا على مجمل ما ورد في التحقيق، وتعليقا على بعض الإشارات والتصريحات، والتلميحات، والأفكار الجيدة التي يتبناها مكتب معايير اللغة العربية، وما أشارت إليه رئيسة المكتب من أفكار ومحاولات وجهود، وأمنيات، ودعم وتبني الأفكار والاقتراحات، واحتضان الأنشطة والفعاليات التدريسية الفاعلة، وتقديرا لهذه الجهود والمحاولات، فلا يسعنا إلا أن نبارك بعضها، وندعمها، ونؤيدها، فالكثير منها جيد، ومعقول، ومحمود في الوقت نفسه، والجهود كبيرة ومشكورة.
ولذا، فيمكننا تعزيز مباركتنا بمشاركة التربويين السابقين والحاليين، وهيئة التعليم في أمنياتهم النبيلة على أقل تقدير، بأن تأخذ اللغة العربية مكانتها المستحقة في المجتمع القطري بشكل خاص، والعربي بشكل عام من خلال الحرص على استخدامها وتداولها في المجتمع المدرسي بين الطلبة، وفي المجتمع الخارجي بين الطلبة وأولياء أمورهم، وتشجيع القراءة والكتابة بها من قبل الهيئة التدريسية، ودعمها من قبل أفراد المجتمع القطري ككل في البيت والنادي والشارع.
فاللغة العربية ليست لغة عقيمة ولا قديمة بالية، وليست لغة المتخلفين كما يتهمها البعض، بل هي غير ذلك، فهي لغة القرآن الكريم الباقي والمحفوظ بإرادة الله سبحانه وتعالى إلى آخر الزمان. ولذا، فاللغة العربية محفوظة وباقية إلى آخر الزمان أيضا، ولا سلطان لأحد عليها. ولذلك، فلا يمكن أن تتصف بالجمود، فهي ليست لغة جامدة، بل لغة متجددة متطورة في معانيها ومفرداتها، وصورها البلاغية، وحسها اللغوي. وما الاستعارة والتشبيه والطباق، والسجع والجناس.. إلا نوتات ونغمات موسيقية يتغنى بها الشعراء، ويبدع بها الأدباء والمثقفون، ويحاجج بها علماء الدنيا والدين. ولذا، فلا يمكن للغة كهذه غنية بكل هذه الذخيرة اللغوية والإمكانات الأدبية، والأوعية الثقافية، أن تتصف بالجمود. فالجمود ليس في اللغة العربية، بل في أهلها ممن خفي عليه سر جمالها، وفقد التذوق بفنونها، وضعف إلمامه بمكنونها وخزائنها، وتسطح في علمها، وهجرها وتعالى عليها، وانبهر بغيرها، وتغني بأعجمية لسانها. فاللغة العربية مرنة طيعة قابلة للتطور عندما يراد لها ذلك في ظل نوايا أهلها الصادقة، ورغباتهم الأكيدة، وحرصهم الشديد على دعم كل الجهود الرامية لتحقيق مثل هذه الرغبات الصادقة. ولا يأتي هذا الحرص، ولا تتحقق هذه الأمنيات والرغبات، إلا إذا تضافرت الجهود، وتناسقت الممارسات بين مؤسسات المجتمع المدني الواحد. فلا يستقيم الأمر في ظل عدم توافق توجهات المؤسسات التعليمية مع توجهات الجهات المدنية الأخرى، فلا معنى لهذه الجهود عند ما تتعارض مع توجهات وممارسات البلديات المحلية المتمثلة في لوحات الطرق الإرشادية، وأسماء المناطق والمدن والأحياء السكنية الغالب عليها أسلوب النطق باللهجة المحلية، وكتابتها بطريقة اللفظ غير العربي الفصيح، كغياب الألف أو همزة الوصل أحيانا، واللام بنوعيها الشمسية والقمرية أحيانا أخرى في بداية الكلمة (مثل.. لجبيلات بدلا من الجبيلات، أرميله بدلا من الرميلة،... وغير ذلك من الكلمات العربية المكتوبة بلهجة محلية)، فكيف للطفل أن يوفق بين القراءة العربية والقراءة غير العربية الفصيحة؟ فهذه جهود غير متضافرة، وتوجهات غير متوافقة، ولذا، فهي كفيلة بهدر الطاقات المادية والبشرية المسخرة لتحقيق أهداف المؤسسات التعليمية، والارتقاء بمستوى الطلبة في اللغة العربية قراءة وكتابة وفهما.
وفي الختام، وقبل التعبير عن الشكر والتقدير للجهود المبذولة لإعادة الاعتبار للغة العربية، ومكانتها المستحقة في تعليمنا العام، لم يبق لنا إلا سؤال واحد وتوصية واحدة تتعلق بتوجيه اللغة العربية، فأين هو التوجيه، ولم تغييبه وتهميشه في ظل هذه الظروف الملحة لتعليم اللغة العربية، ولم لم يُلتفت إليه مرة ثانية، لإعادة تأسيسه وتوصيف مهامه الفنية المتعلقة بالتدريس من أجل الإسهام بفاعلية في النهوض باللغة العربية؟ فقد كان لهذا الجهاز أوقع الأثر في تنمية المعلم مهنيا، وتكوين المعلم الجيد الفعال القادر على تمكين المتعلمين من لغتهم الأم، وإتقانها قراءة وكتابة وتحدثا، وكان السبب الرئيس في تميز الأجيال السابقة في اللغة العربية. وبناء عليه، فيُوصى بإعادة النظر في إدارة توجيه اللغة العربية باعتباره الكفيل بتحسين مخرجات التعلم. وبذلك يصبح المعلم داعما للعملية التعليمية، ومسهما بعلمه ولغته وفن أدائه في الارتقاء باللغة العربية، وتداولها بشكل سليم وفعال في المدرسة وخارجها. ففي تمكن المعلم من لغته، وإلمامه بفنيات تدريسها ضمان للخروج من الجمود السائد، والعمل على التجديد في طرائق العرض، وأساليب التدريس المختلفة. ووفق الله الجميع في العمل على الارتقاء بالأداء في نهاية المطاف، فإنه ولي التوفيق.
بوابة الشرق
|
|
|
|