|
أكاديمية إسطنبول للغات: خدمة العربية هي الهدف
عبير النحاس
أن تجد من يعتز بلغة القرآن، دون أن يكون من الناطقين بها. أن يرصد لها وقته وجهده. أن يرهن لنشرها حياته، ثم ينجح. ثم يستمر بحثا عن مزيد من هذا التألق. هو أمر يؤثر فيك كعربي، وتتذكر أن مهمة إحياء العربية بين شعوب الأرض هي مهمتك. وتجدهم أشد حرصا على لغتنا العربية من كثير من العرب.
التقينا بالقائمين على أكاديمية إسطنبول. المكان والفريق الذي أبهرنا، نشاطهم، حماستهم، و تحمل التبعات و المشاق، ومن ثم التكيف و نبذ الكسل و اليأس.
أمور رائعات أحببنا أن نكشف بعض أسرار هذا النجاح الجميل, فكان هذا اللقاء مع الأستاذ "محمد أغيرأقجة" مدير الأكاديمية، و قد أجاب مشكورا عن التساؤلات، وفيما يلي نص الحوار.
الأكاديمية، متى بدأت؟ و لماذا؟
بدأنا في عام 2006م كممثلين لجامعة أوروبا الإسلامية, وكما تعلمون في تركيا حصل إنقلاب عسكري في عام 1997م، و كانوا يستهدفون الإسلاميين, و كان من نتائج هذا الانقلاب هو منع الحجاب في الجامعات, و بهذا تم طرد الكثير من الطالبات من الجامعة و فصلهم منها.
البعض كان لديه إمكانات مادية، فذهبوا إلى خارج تركيا و أكملوا دراستهم, و بعضهم الأخر لم يكونوا يمتلكون القدرة المادية فبقوا هنا.
نحن أردنا أن يكون لدينا مكان لتعليم هؤلاء الفتيات, و أن نعطيهم فرصة الدراسة بصيغة رسمية, فقمنا بعمل اتفاقية مع جامعة أوروبا الإسلامية في هولندا, و فتحنا هنا مركز امتحانات لجامعة أوروبا الإسلامية في كليتين:
- كلية العلوم الإسلامية.
- و كلية اللغة العربية.
و بدأت الطالبات بالالتحاق بالأكاديمية، و الدراسة فيها بشكل نظامي باسم الجامعة الأوروبية للعلوم الإسلامية.
استمر هذا العمل من عام 2006م إلى عام 2009م، كنا نقدم دورات كممثلين للجامعة الأوروبية وأسسنا الأكاديمية لتكون الدورات بشكل رسمي لهذه المجموعة.
هنا بدأت تغييرات جيدة و إيجابية في تركيا تمكنت الطالبات من خلالها من الالتحاق بالجامعات التركية النظامية.
كان هذا هو الهدف في البداية منح الطالبات المحجبات فرصة الدراسة النظامية في ظل الظروف الصعبة في ذلك الوقت.
- كيف تحولت إذن الأكاديمية من ممثل للجامعة الأوروبية إلى مركز لغات؟ و ما اللغات التي يتم تدريسها في الأكاديمية؟
في عام 2009م و عندما التحقت الطالبات بالجامعات، أصبح الهدف الذي تأسست من أجله الأكاديمية قد انتهى, و نحن كنا سعداء لالتحاق بناتنا بالجامعات التركية. فقررنا أن نبقي الأكاديمية، وأن تستمر في خدمتها للعلم ولعلوم العربية, و خاصة أنها حصلت على سمعة كبيرة و جيدة في تدريس اللغة العربية, قمنا وقتها بتسجيلها في وزارة التعليم, و بدأنا بفتح دورات في اللغة العربية.
في البداية أقمنا دورات اللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة العربية, ثم قررنا أن نغلق هذا القسم، و أن نبقي فقط على دراسة اللغة العربية لأن أي شيء جانبي سيؤثر على هدفنا، و هو أن نكون رقم واحد في تعليم اللغة العربية.
حاولنا أن نركز في مجالات مختلفة للغة العربية, مثلا:
- اللغة العربية للأطفال.
- اللغة العربية لطلاب ثانوية الأئمة و الخطباء.
- اللغة العربية لطلاب الجامعات الذين يدرسون اللغة العربية و العلوم الإسلامية.
- اللغة العربية للطلاب الذين يدرسون خارج العلوم الإسلامية واللغة العربية، ويحتاجون اللغة العربية في مهنهم.
- اللغة العربية لأغراض طبية.
كل هذه تعتبر مشاريع جديدة في تعليم اللغة العربية.
أصبح لدينا أقسام:
- قسم الترجمة.
- قسم الصحافة و الإعلام.
وبانفتاح تركيا على العالم العربي أصبح لدينا قناة (تي أر تي) التي تبث باللغة العربية, و كان الكادر كله من غير الأتراك, وهنا وضعنا هدفا: "و هو أن يكون الكادر من ذوي الأصول التركية, و يعرف اللغة التركية, و لديه مصطلحات إعلامية, و يستطيع العمل في هذا المجال".
و هكذا أصبح هدفنا الجديد هو: "أن نكون أكبر مركز لتعليم اللغة العربية في تركيا".
وقد وضعنا بعض المشاريع مع وزارة التعليم، في طرائق نشر و تطوير اللغة العربية في تركيا. وقبل عامين بدأ الإخوة السوريون و المصريون و العراقيون يتوافدون على تركيا. فقمنا بفتح دورات لتعليم اللغة التركية للإخوة العرب مع أنها ليست الهدف الأساس, لكننا شعرنا أننا نستطيع أن نخدم اللغة العربية بتعليم اللغة التركية للعرب؛ لأن وجود الإخوة العرب سيفيدنا في تعليم العربية.
و أصبح لدينا سمعة جيدة، و أصبحنا من أكبر المراكز التي تدرس اللغة العربية و التركية.
ما جنسيات المدرسين الذين يقومون بعملية التدريس في الأكاديمية؟
الأساتذة معظمهم عرب ممن درسوا اللغة العربية, و أتراك درسوا اللغة العربية في البلاد العربية، وهذه من المميزات التي تميز الأكاديمية.
كم يحتاج الطالب الراغب بدراسة العربية لاستكمال دراسته لها ؟
نحن نقسم اللغة إلى ثلاثة مستويات: "مبتدئ، و متوسط، و عال".
و نحن هنا ندرس المستوى المبتدئ, و المتوسط, و قليلا من المستوى المتقدم.
ليصل الطالب عندنا إلى نهاية المستوى المتوسط يحتاج إلى 840 ساعة, نقسمها إلى 12 مستوى, كل مستوى 70 ساعة, ولو أحب الطالب دراسة المستوى المتقدم نعطيه دورات لمدة ثلاث سنوات للتخصص.
و منذ الدرس الأول ممنوع أن يتكلم الأستاذ باللغة التركية, و كل كلامه باللغة العربية.
هل تساعدون الطلاب الأجانب في الحصول على التأشيرة و الإقامة للدراسة لديكم؟
نحن هنا نقدم للطالب الأجنبي ما يثبت أنه يدرس لدينا؛ لأننا مركز نظامي و رسمي مسجل في وزارة التعليم، و لدينا رخصة, و هذا ما ينقص الكثير من المراكز التعليمية.
نحن نعطيهم الأوراق المطلوبة, و هم يذهبون بها إلى الأمن، فيعطوهم إقامة هم يحددونها نحن لا نتدخل بهذا الأمر, لكنهم بهذه الأوراق يستلمون إقامة طالب.
كيف يتم التواصل مع الطلبة الأجانب الراغبين بتعلم التركية لديكم؟
الطلاب الأجانب يأتون إلينا إن كانوا في تركيا, و إن كانوا في الخارج يرسلون رسوم التسجيل، و نرسل نحن إلى السفارة التركية في بلادهم الأوراق اللازمة لكي يحصلوا من خلالها على التأشيرة.
ما هو حجم الإقبال من الأطفال الأتراك لتعلم اللغة العربية ؟
حاليا الأتراك الصغار الذين يتعلمون اللغة العربية عددهم قليل, و الأطفال يرغبون بتعلم القرآن أولا, و هذا ليس من تخصصنا بالطبع, وهم يأتون إلينا بعد ذلك لتعلم اللغة العربية, و نحن نشعر بأن أعدادهم في ازدياد.
و بالنسبة للأطفال الأجانب في تركيا و حجم الإقبال؟
هذا أيضا موجود فالأطفال الأجانب مضطرون لتعلم اللغة التركية؛ لأنهم يعيشون في تركيا, و ضروري أن يتعلموا التركية, عكس الأتراك فليس هناك ما يجبرهم على تعلم اللغة العربية، إلا بالتشجيع أو التوجيه من أولياء الأمور.
كم يحتاج الأجنبي ليتعلم اللغة التركية؟
اللغة التركية تعتبر من اللغات السهلة، و يقول العلماء إن الطالب لو درس 600 ساعة، سيتمكن من التقدم ليصل إلى نهاية المستوى المتوسط. ومن خلال ذلك يستطيع أن يدخل بها إلى السوق، و يعيش في المجتمع بشكل جيد جدا.
لماذا يقبل الآن غير الأتراك على تعلم اللغة التركية؟
الآن حاليا الذين يدرسون اللغة التركية هم من يعيشون في تركيا, أو من يملك هدف المعيشة أو الدراسة في تركيا.
أو لديه علاقات تجارية في تركيا.
دار النشر التابعة للأكاديمية، لماذا أسست و كيف تستفيدون منها؟
دار النشر أسست لأنه لا يوجد في تركيا مصادر لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وقد اضطررنا هنا لتأليف كتب, ووضع بعض المناهج لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها, و هذا ما نراه في العالم العربي قليلا. في العالم العربي لا يوجد لديهم مثل اللغة الإنكليزية وسائل تعليمية. نريد أن نؤلف كتبا و مصادر لتعليم اللغة العربية.
و ماذا عن استخدامكم للتكنولوجيا في تعليم اللغة العربية؟
يجب أن نعترف بأنه لا يوجد وسائل ذكية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
مشكلتنا هنا: الإخوة العرب لا يفرقون بين هذين الأمرين, بين المناهج المخصصة للعرب, وبين المناهج الموضوعة للطالب الأجنبي الذي لا يعرف العربية و ليست هي لغته الأم.
لأنه ليس هناك مستويات.
الطالب العربي مثلا في السابعة لديه خلفية في اللغة، يعلمونه القراءة و الكتابة في المدرسة, أما الأجنبي فعمره 20 سنة لكن ليس لديه خلفية مثل الطفل العربي الصغير.
لدينا مناهج ألفت في الإمارات لتعليم العربية للدبلوماسيين, و بعض الأقراص المدمجة فيها بعض الأنشطة.
و لكن هذا يحتاج في البلاد العربية إلى مؤسسات كبيرة بميزانيات عالية, لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها, ليتم استخدام التكنولوجيا و هذا صعب أن نقوم به في تركيا. هنا لدينا الكتاب، ملفات صوتية للكتاب، بعض الملفات المرئية. السبورة الذكية. لكننا نحتاج أكثر. ونحن نحاول أن ننتجها.
ألا تتعاونون مع هذه المؤسسات القليلة الموجودة في الوطن العربي؟
لدينا بالطبع تعاون مع بعض المراكز و منها:
العربية للجميع مركز سعودي.
مناهج العالمية مركز سعودي أيضا.
اللسان الأم و هو مركز إماراتي.
عدد المراكز في الوطن العربي قليل جدا لتعليم العربية لغير الناطقين بها.
أين تتوقعون أن تصلوا ببلادكم؟
خلال الـ 12 سنة الماضية، تقدمت تركيا بصورة لم نكن نتوقعها نحن الأتراك، أو نتخيلها. لم يكن أحد يعرف تركيا. كان عليها ديون كثيرة. كان دخل الفرد لا يتعدى 2000 دولار في السنة. الآن دخل الفرد في السنة أكثر من عشرة ألاف دولار. مع أن عدد سكان تركيا بحدود 70-80 مليون نسمة.
السبب يعود إلى الحكومة التي وضعت خططها أولا. ووضعت أهدافا واضحة. و هي تتابع و تعمل بجد و التزام. و لهذا ينتخبها حتى معارضيها.
علاقاتنا مع الشعوب العربية قوية. سياسات الدول تتغير لكن ما يهمنا هو علاقتنا بالشعوب, و يهمنا أن نحتفظ بهذه العلاقات, و ألا يؤثر هذا على علاقات الحكومات.
ما طموحاتكم في الأكاديمية؟
نحن وضعنا أمامنا أهداف في تعليم اللغة العربية. نريد أن نرفع مستوى تعليم اللغة العربية في تركيا. في المناهج، في الأساتذة، في الأنشطة.
نريد أن يكون هناك أماكن لتعليم اللغة العربية في العالم أجمع، و ليس فقط في تركيا.
مثلا في بريطانيا عشرة بالمئة من دخلها من تعليم اللغة الإنكليزية، وهذا يعود بالنفع للشعوب، مثل أماكن سكن الطلاب، الدورات، الكتب، المناهج.
لكن تعليم اللغة العربية من هذه الناحية ضعيف.
نريد أن نبني علاقات بين مراكز تعليم اللغة العربية في العالم، ليكون له سوق شامل. و يكون دعم من جميع المراكز لتعليم العربية، و أن يكون دور الأكاديمية هو الأكبر في تركيا.
لها اون لاين
|