توسيع الفرنسية وإجبارية الأمازيغية في الابتدائي

أ. عبد الإله الخضري

رشحت أخبار حول اعتزام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقديم توصيات ضمن تقريره الاستراتيجي يؤكد على أن اللغة الفرنسية ستبقى اللغة الأجنبية الأولى، مع تلقينها للتلاميذ في المدرسة العمومية منذ السنة الأولى، واعتماد تدريس اللغة الأمازيغية كلغة إجبارية في المستوى الابتدائي فقط.

هذا الخيار، إذا ما تم اعتماده، يشكل انتكاسة حقيقية لمفهوم إبداء رأي استشاري، في القرن الواحد والعشرون، حيث كان من المفروض أن يعكس إرادة غالبية الشعب المغربي، وأن يراعي حقوق نساء ورجال مغرب الغد حتى يحمل البعد الديمقراطي، حيث بالرغم من كون غالبية ممن أبدوا رأيهم في الموضوع ألحوا على ضرورة استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية، فضلا عن الاهتمام بتلقين التلاميذ فن التواصل وتقنيات التعبير باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب اللغة الفرنسية، مع اعتماد وسائط التعلم التكنولوجي.

وأمام هذه التوصية، إذا صحت، أشعر بخيبة أمل، باعتباري مواطن مغربي، وناشط حقوقي، وأحمل لهؤلاء مسؤولية مصادرة حق نساء ورجال معرب الغد، لأنهم، لو كانوا ديمقراطيون لرعوا إرادة الشعب المغربي، لأن الإبقاء على اللغة الفرنسية، يرهن مستقبل المغرب، ويجعله حبيس مصالح الفرانكفونيين، أما الإنجليزية، فلا تحمل بالضرورة مصالح الإنجليز ولا غيرهم، بل أضحت لغة العالم بامتياز، بكل ثقافاته وأممه، والتشبث بتكريس اللغة الفرنسية، يعني البقاء على ذات أزمة التشغيل التي يعاني منها المغرب، لأن التشغيل رهين بخلق فرص الشغل، وفرص الشغل رهينة بالتنمية الاقتصادية الحقيقية، واليوم لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية إلا عبر بوابة التجارة الدولية، والتجارة الدولية تمر عبر العلاقات التجارية الدولية، والعلاقات التجارية الدولية تستلزم لغة التواصل، التي يتواصل بها غالبية أمم العالم، وخاصة الدول الصاعدة ((BRICS، وهذه الدول معظمها يتواصل باللغة الانجليزية، كما أن الكثير من الدول الإفريقية، والتي يعتبرها المغرب عمقه الاستراتيجي، اقتصاديا وسياسيا، علاقتنا الاقتصادية مع الكثير منها ضعيفة بسبب أن لغتهم الأجنبية الأولى إنجليزية، ولهذا، فإنني أطالب باستفتاء شعبي على هذا الموضوع، على اعتبار أن هذا الخيار يتعلق بمصير أمة، ولا مجال فيه لترك فئة فرانكفونية لا تراعي سوى مصالحها الشخصية على حساب فئة عريضة من المواطنين، وتسعى لتمرير رأيها عبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لتزيد أزمة التعليم ببلادنا عمقا.

ثم من جهة أخرى، أتساءل عن قرار إجبارية تعلم اللغة الأمازيغية على مستوى السلك الابتدائي، أعتقد أن الموضوع مجاملة وجبر خاطر فئة أمازيغية قليلة، تحركها الإيديولوجية أكثر من مبرر تنزيل مقتضيات الدستور المغربي، ذلك أن موضوع الحرف الأمازيغي "التيفيناغ أو التيفناق، نسبة إلى أصلها الفينيقي الحقيقي"، لا زال مطروحا للنقاش، فلماذا يصر بعض إخواننا الأمازيغ إثقال كاهل التلميذ المغربي، بتعلم لغات كثيرة، لمجرد أنها مدسترة، هل سيضطر يوما أن يعمم البحث العلمي بحرف التيفيناغ، هل هناك إرث تراثي أدبي، أو قانوني أو علمي مكتوب بحرف التيفيناغ، يستلزم تبحرا واسعا، من أجل الحفاظ على التراث المكتوب بهذا الحرف، أم أن إخواننا في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عازمون على كتابة العلم والتراث الحضاري الإنساني بحرف التيفناغ، وهم الذين ربما لم يجدوا ما يفعلوه به مؤخرا، فأقدموا على نشر كتاب يتناول جزئية دقيقة من نحو اللغة العربية (النكرة)، ثم هل يعرف الإخوة الأمازيغ، الذين يبدو أن نزعة العداء ضد العربية والعروبة هي المتحكم والمحفز الكبير في نضالاتهم الدونكيشوتية، بأن أقل من 0.1 بالمائة من الأمازيغيين لهم دراية بحرف التيفيناغ،

لذلك، لن ألتمس منهم تعويض كتابة اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ بكتابتها بالحرف العربي، لأنني أدرك أنه يستحيل قبولهم أو إقناعهم بهذا المطلب، ولكن سأناشدهم بألا يثقلوا كاهل التلاميذ بكثير من اللغات ومن الرموز، ويبقوا اللغة الأمازيغية اختيارية وحسب المناطق، لأن مثل هذه القرارات ستزيد التشويش اللغوي على أبناءنا، خاصة أولئك الذين لا علاقة لهم ولآبائهم بحرف التيفيناغ، وستجعلهم أكثر نفورا من اللغات، كما سيتم تشتيت تركيزهم بعيدا عن اللغات الحية، وتضطر الدولة تخصيص ميزانيات ضخمة، وستكتشف بعد فوات الأوان أنها كانت خطوة لا جدوى منها على الإطلاق

هسبريس