|

رسالة عن اللغة والشعر من شوقى إلى البابا شنودة
أ. سمير فريد
قرأت باهتمام بالغ مقالك عن لغتنا العربية بعنوان «وماذا يخسر العرب لو حافظوا على لغتهم مثل كل الشعوب»، فتمثلت فى هذا المعنى قول أحمد شوقى:
وصن لغة يحق لها الصيان.. فخير مظاهر الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان.. غريباً فى مواطنه مضيماً
ألم ترها تنال بكل ضير.. وكان الخير إذ كانت بخير
أينطق فى المشارق كل طير.. ويبقى أهلها رخماً وبوماً
فبينما تهتم كل شعوب العالم بلغاتها وتحرص على تعليمها لأبنائها، وبينما أحيا اليهود كما قلت لغتهم العبرية من مواتها، أمتنا نحن لغتنا الفصحى، حين خرقنا إهابها وأهدرنا سمتها، فجعلنا نكتبها كما يحلو لنا بلا أى اعتبار لنحو أو صرف، حتى فى الصحف وعلى شريط الأخبار فى الفضائيات، وفى لوحات الإعلانات المرفوعة فى الشوارع، فقرأنا اشترى واقتنى وابنى بدلاً من اشتر واقتن وابن، وقول بدلاً من قل، وقرأنا استبدل سيارتك القديمة بسيارة جديدة، بدلاً من استبدل بسيارتك القديمة سيارة جديدة، ودعا البعض إلى إسقاط بعض قواعد اللغة إحياءً لها بزعمه، وضرب مثلاً بألف الاثنين ونون النسوة حيث لا مثيل لهما فى سائر اللغات فطالب بإلغائهما، مع أنهما من دلائل سعة لغتنا، قصرت عنهما سائر اللغات.
والطريف، أو قل المؤسف، أن هناك من انبرى يدعو لتدريس العامية وقواعدها فى المدارس بدلاً من العربية الفصحى، على اعتبار أنها اللغة «المصرية»، وأن قواعدها أسلس وأوفى من قواعد الفصحى، وضرب مثلاً بالأسماء الموصولة، فهى فى الفصحى عديدة مثل الذى والتى واللذين واللتين والذين واللاتى، فيختلط أمرها بزعمه على البعض، لكن العامية اختصرتها كلها فى كلمة واحدة هى «اللى»، وشر البلية ما يضحك!
والفصحى وإن كانت لغة القرآن، فهى ليست بلغة المسلمين فقط، واقرأ معى الأبيات التالية الرائعة:
غريباً عشت فى الدنيا.. نزيلاً مثل آبائى
يحار الناس فى ألفى.. ولا يدرون ما بائى
يموج القوم فى مرح.. وفى صخب وضوضاء
وأقبع ههنا وحدى.. بقلبى الوادع النائى
■ ■ ■
تركت مفاتن الدنيا.. ولم أحفل بناديها
ورحت أجر ترحالى.. بعيداً عن ملاهيها
خلى القلب لا أهفو.. لشىء من أمانيها
نزيه السمع لا أصغى.. لضوضاء أهاليها
■ ■ ■
كسبت العمر لا جاه.. يشاغلنى ولا مال
ولا بيت يعطلنى.. ولا صحب ولا آل
القصيدة طويلة ولكم وددت لو وسعها المقام كلها، فبلاغتها وسلاستها وموسيقاها ليست بخافية وتتألق بيتاً من بعد بيت، ولقد كتبها عام 1946، الشاعر نظير جيد روفائيل، الذى أصبح فيما بعد قداسة البابا شنودة الثالث.
المصري اليوم
|
|
|
|