لا تنسوا لغتكم

أ. يوسف السيد هاشم الرفاعي

للغة قيمة اجتماعية، فهي تحقّ.ق التواصل بين الناس، فمن خلال اللغة يتواصل الناس في ما بينهم، ويحقّقون أغراضهم، فيتناقلون الأفكار، وكذلك يتبادلون المشاعر والأحاسيس، ويطلبون تحقيق مصالحهم، بعضهم من بعض. ولهذا التواصل غرض أساسي بالنسبة الى الإنسان. فالإنسان مدني بطبعه، يحب الاجتماع والمدنية، ويزعجه الانفراد والوحدة، ولهذا كان السجن من أقصى العقوبات التي يواجهها الإنسان!
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن الكريم العربية، واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال افريقيا بالإسلام، فتركت لغاتها الأولى، وآثرت لغة القرآن الكريم، فحبهم للإسلام هو الذي عرّبهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى. إن لغتنا العربية كانت هي اللغة الحضارية الأولى في العالم، والاهتمام بها كان واجباً على كل عربي.
ومع مرور الأزمنة قلّ الاهتمام من قبل العرب باللغة العربية، على عكس اهتمام الغرب بلغاتهم. ومنذ فترة زمنية طويلة كان للاحتكاك الاجتماعي واللغوي الذي تسببه الجاليات أثر في العرب، سواء كانوا من العاملين في الأسواق، أو في الشركات والوزارات، أو حتى العمالة المنزلية.
فمن غير المستحب رؤية امرأة كويتية في أحد المجمعات التجارية تحدّ.ث أبناءها باللغة الإنكليزية بدلا من لغتها الأم، اللغة العربية. فعندما تقل ممارسة اللغة فإن ذلك قد يؤدي إلى فقدانها. وما أدراك ما يحدث لطفل لا يتجاوز الخامسة من عمره لا يتحدث اللغة العربية تماماً! فهل للتحدّث بلغة غربية غير لغة الأم من الثقافة والمعرفة؟ لا، بل هذا يرمز الى الجهل حينما يترك الشخص أهم شيء في حياته ومجتمعه، أي اللغة.
إنني أرى أن التحدث المتواصل باللغة العربية بيننا (أبناؤها)، وكما هو بيننا وبين العمالة، سيحافظ على مستوى لغتنا ويبعدها عن الضعف بمرور الزمن. فنتيجة التحدث مع الجاليات الغربية بعربية مكسرة أو لغة أجنبية قد تؤدي إلى العديد من العواقب، حيث تذكر الإحصائيات أن %25 من الأطفال يقلدون المساعدات المنزليات باللهجة، حين تأتيهن من الهند أو أندونيسيا أو الفلبين يتعودون على لهجتهن المكسرة المضطربة التي تضر بلسان الأطفال والأبناء، وتؤثر في مستوياتهم اللغوية على المدى القصير في الدراسة والتعليم، وكما تؤثر على المدى البعيد في العمل، والتعامل، والتعاطي مع الآخرين! التحدث بالعربية المكسرة ولَّد لغة جديدة هجينة تشتمل على عدة تكوينات أجنبية، وهذا هو الخطر.
أتمنى أن يحافظ العرب على ممارسة لغتهم الأم، كما أتمنى أن أرى مبادرات وبرامج ومشاريع وطنية، يكون لها طابع وطني شامل، لترتيب ألفاظنا وكسوتها بالفصحى الواضحة السهلة السلسة، لكي نحافظ على لغتنا، ولتسهل تكوين أساس قوي للغة العربية لدى أبنائنا.


القبس