نعم.. أمّة اقرأ تقرأ

أ. رنا شاور

رددنا على الألسن، لعقود طويلة، جملةً اعتبرها جداً ظالمة: أنّ أمة اقرأ لا تقرأ.
وكمن يصدّق كذبته آمنّا بنقصٍ يتلبّسنا اختلقناه بأنفسنا، لأنفسنا. لا يمكن أن تكون أمّة دليلها القرآن ورسولها محمد، صلوات الله عليه، هي أمة جهل وفقر معرفي. حصدنا مقولة زرعناها بأيدينا بأننا مهزومون أمام الكتاب، وحشونا عقولنا بعداوة الثقافة والقراءة والعلم.
مصائب كثيرة وأعداء كثيرون تكالبوا على هذه الأمة بقصد إضعافها، بدءاً بثقافتها ولغتها وهويتها، لكنّنا ربما نكون نحن أول أعداء لأنفسنا دون قصد. فقد صدقنا أننا نمقت الكتاب، وتلبسنا جلد الذّات طويلاً بأن أمة أول كلامها كلمة «اقرأ» هي أمة لا تعرف ولا تحب أن تعرف، صدّقنا بأننا عاجزون فكريّاً وثقافيّاً ولغويّاً.
إلا أن الحقيقة غير ذلك تماماً،فزيارة سريعة إلى أزبكية عمان أو إلى معارض الكتاب حيث تباع الكتب بثمن زهيد،وحيث الثمن لا يطغى على سعر رغيف الخبز تتفتح عيونك على حقيقة موؤودة: الجميع يحب الكتاب إذا أتيحت له الفرصة لاقتنائه. أما إذا ما اضطر الانسان أن يفاضل بين رغيف الخبر ودفتي كتاب فهو حتما سينحني لقوته وقوت عياله، وهذا بحد ذاته يحيلنا إلى قضية مهمة لعزوف الناس عن القراءة هي الارتفاع غير المبرر لأسعار الكتب وتفاوت أسعارها من مكان إلى آخر، حتى تحولت العلاقة إلى شبه قطيعة وعداء. فمن يحتاج كتاباً بعشرة دنانير إن كانت ثمناً ينقده أحدنا لشراء بعضٍ من حاجات عياله.
ثمّ نتساءل لماذا يتراجع حال اللغة العربية وتصبح إهانتها سلوكا عاما في المجتمع، فنحيل السبب إلى هيمنة فكرية وثقافية غربيّة، ونسارع إلى لوم غير المبتعدين بأنفسنا عن النقد، فلم نراجع أنفسنا بمسؤولياتنا بضرورة تبسيط هذا الثراء اللغوي والتراكم الثقافي لأجيال اليوم واعتمدنا في مناهجنا على اللغة الثقيلة حتى جاهر الكثير من الشباب، دون حرج، أنهم لا يحبون العربية ولا يفهمونها ولا يحتاجونها في حياتهم اليومية، فتكسرت حروفها فوق الألسن وعلى منابر الاعلام وضمن صفحات التواصل الاجتماعي وصارت إهانتها سلوكاً عاماً لتبدو كمسخٍ من عامية الخطاب وركاكة الفصحى مطعمة بالمفردات الأجنبية دون داع.
نحن أمة تحب الكتاب وتحنّ في قرارتها إلى ثقافتها الأصيلة، لكن الفرص ضئيلة إذا ما استمر سعر الكتاب ينافس رغيف الخبز، واذا ما استمر النهج التعليمي وحتى المحتوى الاعلامي «تطفيشيّاً»،، وتاه كثير من الطلبة أمام ضعف معلمي اللغة العربية وجمود المناهج والوسائل التعليمية التقليدية.
ثمّ ماذا ؟.. تحذّر اليونسكو من انقراض عدة لغات كل أسبوع، ونحن لازلنا نعتقد بأن حماية اللغة العربية هي مهمّة الهيّة فقط.
الحديث يطول وذو تشعّبات كثيرة، لكن دعوني أنهي بإعلان حماستي الكبيرة لإعادة احياء فكرة الحكواتي والمساعدة على انتشارها من جديد في المدارس والأنشطة غير المنهجية ووسائل الاعلام والوسائل الحديثة لما في الروح القصصية من جذب للمستمع ودور رئيسي لحب الكتاب وتثبيت اللغة بيسر وتناغم.نحن أمّة معرفة وثقافة.. والخير فينا إلى يوم الدّين.

الرأي