|

المجلس الدولي.. الظاهرة الأكبر لدعم اللغة العربية
د.عبد الله القفاري
لم يكن المؤتمر الرابع للمجلس الدولي للغة العربية، والذي عقد في دبي مؤخرا، سوى تأكيد على الدور الذي بات يطلع به المجلس، إذ سجل المؤتمر قفزة كبيرة في عدد المشاركين وكذلك عدد الابحاث والأوراق العلمية.. كما بات يستقطب حضورا كبيرا لمؤسسات ومراكز تُعني باللغة العربية من مختلف دول العالم.
يُسجل للمجلس الدولي للغة العربية، تطويره واستمراره في حشد المزيد من الباحثين والمؤسسات لدعم اللغة العربية في مختلف المجالات.
وإذا كان الدور الحالي يقوم على الحشد، فإن من المتوقع والمأمول أن تحمل المؤتمرات القادمة مشروعات يتبناها المجلس والمؤسسات الاخرى المعنية بدعم اللغة العربية في حقول التعليم والاعلام والبحث والتطوير.
أن تظل هذه القضية هاجسا وبؤرة اهتمام المشاركين الكثر الذين يتقاطرون على المؤتمر، فهذا بحد ذاته يعد توجها ايجابيا ورغبة ملحة واهتماما متزايدا بقضية تم تجاهلها او توزعت مشروعاتها بلا فاعلية بين العديد من المؤسسات والقطاعات، دون انجاز يشهد على مراحل مختلفة طالت المنطقة العربية والثقافة العربية التي اصبحت تستجدي عنوانا عربيا احيانا في خضم التحول نحو استخدام اللغات الاجنبية في الحياة العامة على نحو غير مسبوق.
وأن يشارك قرابة 2000 من الباحثين والحضور في جلسات عمل تطال اكثر من 800 بحث او ورقة عمل.. فهو بحد ذاته يعبر عن رغبة ملحة في تقديم ما يمكن تقديمه في مرحلة اضطربت فيها معايير التعاطي مع لغة القرآن، حتى آلت لدى كثيرين إلى لغة عامية منزوية في ظل مشهد تتطاول فيه اللغة الاجنبية كلغة علم وتعليم بل تدخل في صميم الحياة اليومية على نحو لا تعرفه شعوب اخرى ادركت اهمية وقيمة الحفاظ على لغاتها القومية وتطوير استخداماتها لتصبح جزءا من شخصيتها وكينونتها وملمحا مهما في تعاطيها مع الشؤون المختلفة في حياتها.
الجزء المتحقق في مؤتمرات المجلس التي تتطور عاما بعد اخر، لفت الانتباه الى اهمية وقيمة حضور اللغة العربية في صناعة الحياة.. من خلال هذه التظاهرة الكبيرة الموسمية. كما ان الجزء الاخر هو ذلك المتعلق بالبحوث والدراسات التي تتناول قضايا اللغة العربية في مختلف الحقول والمجالات لتعالج وتطور اساليب تعليم اللغة او تناقش قضاياها او تستهدف مشروعات وبرامج تعزز حضورها في المشهد العام.
إلا انه من المهم ان يكون المؤتمر كذلك دافعا لتبني مشروعات تدعم اللغة العربية سواء من حيث الاستخدام او تطوير التقنيات او بناء المعاجم والمصادر او الترجمة والتعريب.
وفي هذا العام ظهرت مبادرة لعلها تفتح المجال للتفكير في صناعة مثل تلك المشروعات في كل عام.. وهي مبادرة الشيخ محمد بن راشد في بناء احد المصادر المعجمية، بالإضافة الى مبادرة الشيخ المشكورة والمقدرة في رعاية المؤتمر كل عام، وتبنيه جائزة سنوية كبرى (جائزة محمد بن راشد للغة العربية).
وإذ استطاعت ادارة المؤتمر متمثلة في المنسق العام للمجلس الدكتور علي بن موسى، الذي قدم نموذجا مميزا في الحراك والفعالية وفي استلهام المبادرات والبناء عليها.. فأعتقد انه ستتواصل المبادرات والمفاجآت خلال الاعوام القادمة لتضع مشروعات اللغة العربية في اولوية المؤتمرات القادمة.
من مدعاة الفخر والاعتزاز أن يكون المنسق العام من ابناء المملكة العربية السعودية، وهو يقدم حضورا مميزا في الاعداد والتنظيم والحشد العلمي الواسع لإنجاح المؤتمر، إلا ان المثير للتساؤل هو غياب الجامعات السعودية عن المساهمة في دعم هذا المؤتمر من خلال تبنيها لمشروعات او تطوير ادوات تخدم التوجه نحو ادماج اللغة العربية في حقل التعليم العالي على نحو لا يتوقف عند المتحقق وانما يطال المأمول والمستقبل.
المشاركة السعودية كبيرة في المؤتمر، ولكن معظمها يأتي من افراد وليس عبر مؤسسات يمكن ان تضع بصمتها على مشروعات وليس مجرد دعم ورعاية لمناسبة مؤتمر. ونحن نعلم ان لدينا في المملكة جوائز ومراكز داخل الجامعات وخارجها معنية بدعم الترجمة والتعريب.. كما تتوافر مؤسسات تعليمية تنطوي على كثير من الكفاءات التي يمكن ان تضيف خبراتها في هذا المجال وتكون مشاركتها ذات فاعلية في هذه التظاهرة السنوية المهمة.
ولعل من المهم والمفيد ان تتجاوز قضايا اللغة العربية الاشادة بقدراتها وحضورها في الوجدان العربي والاسلامي.. إلى مستوى دعم برامج عمل، ليصبح المجلس منسقا فاعلا ومشاركا مؤثرا في متابعة تلك المشروعات والبرامج.
وقد يكون من المهم ان تتضمن محاور المؤتمر في الاعوام القادمة، محورا مخصصا للبرامج والمشروعات حتى لا تضيع تلك الاضاءات وسط اوراق عمل كثيرة معظمها ينطوي على دراسات او بحوث او قراءات.
ونظراً لتوسع المؤتمر في قبول المشاركات والاوراق العلمية، التي تجعل من الصعب لكثرتها متابعتها خاصة أنها تقدم في وقت واحد.. أن يتم تطوير آلية الفرز والقبول لتقدم تلك الاوراق ذات الاهمية والجودة وتمكن من الوقت الذهبي للمؤتمر الذي يشهد الحضور الأكبر والمتابعة الأوسع.
ونظرا لكون المؤتمر مناسبة حشد سنوي لدعم اللغة العربية، فربما ترى ادارة المؤتمر ان يكون هناك معرض للكتاب (المترجم) للعربية، في مختلف فروع العلوم على الا يتجاوز تاريخ الاصدار عامين سابقين.. وحينها يجب الاهتمام بمؤسسات عربية تعنى بالترجمة والتعريب كالمركز القومي للترجمة في مصر او المؤسسة العربية للترجمة وغيرهما من المؤسسات والمراكز ودور النشر المعنية والمهتمة بالترجمة والتعريب.
كما يمكن ان تقدم جائزة تقديرية للمترجمين العرب عبر تقويم الاصدارات السنوية.. فكثير من الجهود الفردية ذات جدوى وحضور في مشهد الثقافة العربية.. ولا يمكن تجاوزها بل هذا محفز على عطاء سنوي ينتظر مؤتمرا مميزا يعد ظاهرة سنوية تحتفي باللغة العربية وتعالج قضاياها وتقدر العاملين في مجال يحتل اولوية في مشروعها.
ويمكن العناية بهذا الاطار بشكل اوسع، ليطال التكريم القائمين على بناء مشروعات معجمية او حاسوبية او تعليمية متقدمة تخدم اللغة العربية، فالعبرة بحجم التقدم في هذا المجال وليس مجرد البحث في قضايا اكاديمية ينحصر الاهتمام بها في دوائر ضيقة بين الباحثين والمهتمين.
ومن مميزات المؤتمرات الكبيرة، التنوع الكبير في الحضور والمشاركة.. والمؤتمر الرابع للمجلس الدولي للغة العربية استطاع بكفاءة ان يحشد هذا العدد الكبير من مختلف دول العالم.. إلا ان امكانية التعارف والحوار بين المشاركين خارج قاعات المؤتمر تبدو صعبة.. وهي ذات اثر كبير في تقوية الصلة بين المشتغلين بهذا المجال، ولذا أتطلع الى عام قادم يخصص فيه المؤتمر أوقات المساء للقاءات تعارف بين المشاركين.. كما ارى من المهم ان يكون هناك كتيب تعريفي بالمشاركين، وهذا من اهداف المؤتمرات الكبيرة التي تجمع المهتمين والمشتغلين بذات الحقل وقد تقود الى مشروعات مشتركة تدعم اهداف المؤتمر وتقوي الاهتمام بحضوره والمشاركة في فعالياته..
الرياض
|
|
|
|