|
المتحف العربي الأمريكي ودوره في إبراز الهوية والتنوع الثقافي
عون جابر
عقدت في الشهر الماضي في المتحف العربي الأمريكي في ديربورن- الولايات المتحدة الأمريكية، فعالية الديوان الثقافية التي تتم كل عامين وأهميتها هذه السنة يتزامن مع مناسبة الذكرى العاشرة لتأسيسه. والديوان هوكونفرانس ثقافي يسمح باجتماع المبدعين العرب الأمريكيين من كافة الولايات، ومن مختلف الصعد الثقافية والأنشطة الإبداعية، كالمسرح والشعر والرواية والسينما والتشكيل والموسيقى،
إضافة لمواضيع تختص بالحقوق المدنية والنشاط النسائي والأوضاع العربية الراهنة ومنها القضية الفلسطينية ومآلات ما تمت تسميته بالربيع العربي.
أكثر من سبعين مبدع /ة ومفكر/ة وناشط/ة واكاديمي/ة وفنان/ة اجتمعوا وحاضروا وعرضوا وتناقشوا وافترقوا على أمل المزيد من لقاءاتهم في المستقبل.
هذا اللقاء مقارنة بالسابق يكشف عن مدى تنامي مخزون الإنتاج الثقافي في أوساط العرب الأمريكيين. وإذا كانت قصيدة لورانس جوزيف زحلاوي ـ لبنان بعنوان «زنجي الصحراء» تؤرخ بنظر البعض بداية إعلان لولادة شعر عربي أمريكي، فإن ما تم عرضه في الديوان يكشف عن طاقات ومخزون ثقافي يتنامى طرديا مع تنامي قدرات العرب الأمريكيين . حصيلة هذا الديوان، إضافة لتعميقه وجمعه لجمهور خلاق ومبدع من مختلف الولايات الأمريكية وتمتين أواصر المعرفة وتبادل
الخبرات بينهم، هو كتابة وتأريخ النشاط والإبداع الجاليوي، فإذا لم تخطه أقلامهم فلن يكتبه غيرهم، واثره سينعكس أيضا في إبرازه للهوية الإثنية وتعزيزه لثقافة التنوع. والنشاط الثقافي يفضي لتوسيع الحدود المشتركة مع الثقافة السائدة، ويلغي أو يخفف من الشعور بالدونية، الذي لازم تاريخيا الأقليات في المجتمع الأمريكي. أيضا يمكن القول بأن النشاط والإبداع الثقافي هو الأبقى للمستقبل، مئات الآلاف من العرب هاجروا إلى الولايات المتحدة في القرنين السابقين، والأثر الوحيد الذي تركوه واضح فقط في النشاط الثقافي (الرابطة القلمية)والعلمي. من هنا يُعتبر المتحف العربي الأمريكي، حاضنة ثقافية لكل المنظمات والجمعيات الثقافية المتناثرة في الجامعات والمدن الأمريكية (ميزنا، ألوان، الراوي وغيرها) إضافة لدوره في حفظ وإبراز وتوثيق مساهمات العرب الأمريكيين الراهن والتاريخي بشكل ممنهج من خلال معروضاته الدائمة أو الزائرة. وسيرة هذا المتحف الذاتية هي سيرة الجالية (استعارة قول فيلليني- اللؤلؤة هي السيرة الذاتية للمحارة) إذ أن اندفاعتها ونموها
في كل المجالات منذ الثمانينيات وحتى اليوم أفضى لإنشائه بدون ارتهان لأي جهة وهذا سبب رئيسي لرسوخه ولنيله دعم المتبرعين، أفرادا ومؤسسات على صعيد الولايات المتحدة. إذا كانت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 قد حدت من الاندفاعة السياسية للعرب الأمريكيين فإنها أعطت زخما قويا لاندفاعتها الثقافية، إذ أدت ردود الفعل العنصرية تجاه العرب الأمريكيين والمسلمين إلى مزيد من وعي الذات والتأطر في الجامعات ومختلف مجالات العمل للدفاع عن الانتماء الإثني وبكافة الوسائل، خصوصا الثقافية. فالجيل المتصدي لهذا النشاط هو الثاني أي المولود هنا، أي المعني مباشرة بالدفاع عن ماهيته. وكونه مندمجا كلية بدون عوائق اللغة واللهجة التي عانى منها الجيل الأول، الذي بنى بفعالية الأسس المادية لانطلاقة الجيل الثاني. وبسبب انطلاقته الصاعدة نجد أن اللغة المسيطرة في نشاط المتحف في فعالية الديوان الثقافي تقتصر على الإنكليزية. ورغم أن تعليم اللغة العربية يشهد انتشارا واسعا، فلن يرتقي لمستوى الإبداع الأدبي الذي يقتصر
على الجيل الأول منهم. هل يعني ذلك إدارة الظهر للغة العربية ؟ المتابع لنشاطات المتحف الثقافية الأسبوعية والشهرية يجد أن للغة العربية نصيبا لابأس به فقط في غناء الحفلات الموسيقية. ندرة المحاضرات والأمسيات الثقافية باللغة العربية ليست نتيجة سياسة ومنهجا بقدر ما هو افتقار لبرنامج يطمح لتجسير الهوة بين المتحف كمؤسسة وحاضنة ثقافية وبين رموز ثقافية عربية أمريكية وعربية زائرة لزيادة التلاقح المعرفي بين مبدعين عرب وعرب أمريكيين وتشجيع الترجمة الهادفة لنقل الإبداع العربي الأمريكي إلى العربية وبالعكس. لقد كان اختيار الشاعر والمترجم
العربي الأمريكي خالد مطاوع شخصية العام من قبل المركز العربي للخدمات الاجتماعية خطوة على طريق إعادة الاعتبار للثقافة، على أمل أن يستمر هذا المنحى في المستقبل، بدعوة رموز ثقافية عربية على مختلف الأصعدة لإقامة أمسيات شعرية وتنظيم ندوات فكرية تعكس التيارات الفكرية المتصارعة والموازية للمخاض العسير التي تشهده المجتمعات الأم، وبما أن المتحف خال من أي أجندة سياسية وارتهان يمكنه في ظل حرية التفكير والتعبير المتوفرة في الولايات المتحدة وفي رحابه أن يكون منارة ثقافية، مقارنة بالأماكن الأخرى. أخذ ما سبق بعين الاعتبار ضمن برنامج يلحظ متطلبات التنوع المتعدد الأبعاد للجالية العربية الأمريكية كفيل
بكسر الحاجز المنتصب منذ البداية بين المتحف والجيل الأول.
لقد أثبتت تجربة الديوان الأخيرة نجاحا بارزا ويعود الفضل في ذلك لمبادرة تشكيل لجنة على تماس مع المبدعين في كافة الحقول. استمرار هذه السياسة والعمل على تعميقها والتعلم من سلبياتها يضمن استمرارية الإشعاع الثقافي، وإلا فمصير سياسة القائمين عليه ستغدو مركونة على رفوفه ومن ضمن مقتنياته.
القدس العربي
|
|
|
|