الأسد.. دعوة للحياة

أ. نضال برقان

ليست وداعيةً لراحل كبير، من جيل رائد ومؤسس في الثقافة المحلية والعربية، بقدر ما هي تأكيدٌ على الرسالة التي بذل العلامة ناصر الدين الأسد عمره في سبيلها: الانحياز إلى اللغة العربية بوصفها ماضيًا وحاضرًا ومستقبلا، والإيمان بالمؤسسة بوصفها ضرورة لضمان ديمومة العمل واستمراريته وفق رؤية واضحة ومنهج علمي.
وعلى أهمية الدور الكبير الذي اضطلع به العلامة الشيخ في إثراء الثقافة العربية، من خلال مجموعة من المؤلفات، التي يعدّ بعضها مراجع رئيسة وأساسية لا يمكن تجاوزها، إضافة لتأسيسه مجموعة من المؤسسات العلمية والثقافية في الأردن والعالم العربي، بيد أن اللغة تظلّ فضاءه الأرحب، وعلاقته بها تمثل بوابة لشخصيته، على الصعيدين: الفكري والذاتي، فاللغة، كما يقول، «خصيصة من خصائص صاحبها، المُسْتَعْمِلِ لها، وميزان يوزن به فكره وعلمه، ومرآة تظهر فيها صفاته..».
أرادها لغة ديناميكية، «لغة واحدة»، تستوعب تنوع وتعدد واختلاف أساليب الكتّـاب على نمط أصيل من اللغة ذاتها، و»حيّـة، قادرةً على العطاء والاستيعاب أو الاستعارة من اللغات الأخرى» بحسب تعبيره، وفي سبيل تحقيقه لتلك «الرؤية» راح يحببها إلى نفوس الناشئة والناس وأبنائنا المتعلمين، ويحرص على تجنب حصرها في قوالب تحول دون استيعابها لمستجدات الحياة، وفي هذا السياق يقول: «نريدها لغةً تتطور مع حاجات الناس ومقتنياتهم من دون أن نضعهم في قوالب مقيتة تذبح انتشار هذه اللغة».
وانطلاقا من إيمانه بالتواصل والتلاقح بين المعارف والثقافات حرص الأسد على استخدام عبارة «تعزيز استخدام اللغة العربيّة»، بديلة عن «حماية اللغة العربيّة»، وذلك أثناء مشاركته في مناقشة مسودة قانون حماية اللغة العربيّة، إذ كان يرى أن «اللغة العربيّة ليست في حرب مع الثقافات الأخرى، فيجب علينا الانطلاق من مبدأ القوة تحت عنوان التعزيز».
وخلافا لما كان يقال حول اللغة العربية بأنها جامدة ومتحجرة لم تتطور خلال العصور المتعاقبة، كان مذهب الأسد الذي ما انفك يعتقد أن الحقيقة خلاف تلك القاويل، فللغة، كما يقول، «ثوابت ومتغيرات، وإن مستقبلها مرتهن بمستقبل الأمة وعزائم أهلها..».
ولم تزل تلك اللغة تجسّد هوية الأمة العربية بالنسبة للأسد، وجسرًا يعبر بها نحو الوحدة، وهو ما يعوزها حتى تستطيع الوقوف على قدميها من جديد.
هكذا كانت نظرته للغة، كائنا حيّـا، جامعا، متطورا، غير منبتّ عن جذوره، وغير منغلق أمام كل ما هو جديد، وهكذا كان الأسد نفسه، وهكذا -أيضا- أراد لنا، فهل نكون؟

الدستور