|

اللغة العربية والتعليم العالي
د. عبدالله محمد الشيبة
تشهد مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة خلال أيام انتهاء عام دراسي وتخريج دفعة جديدة من طلبة شهادة البكالوريوس حيث توجد في الدولة تسع وسبعين مؤسسة تعليم عالي حسب أحدث قائمة معتمدة لتلك المؤسسات من هيئة الاعتماد الأكاديمي التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتضم تلك المؤسسات ثلاث جهات حكومية اتحادية هي جامعة الإمارات العربية المتحدة، جامعة زايد وكليات التقنية العليا والتي ينخرط فيها آلاف الطلبة المواطنين لدراسة العديد من التخصصات المفترض أن يحتاجها سوق العمل.
ومن المؤكد أن جهود التعليم العالي في الدولة يشهد لها المقيم قبل المواطن بفضل السياسة الحكيمة في توفير برامج أكاديمية حسب أرقى المعايير العالمية سواء في مؤسسات التعليم العالي الحكومية أو الخاصة. وقد أسهمت تلك المؤسسات بشكل قوي وفعال من خلال مخرجاتها في تزويد سوق العمل الحكومي والخاص بالخريجين المؤهلين علمياً وعملياً والذين يشاركون في برامج التنمية الوطنية من خلال مختلف المناصب والوظائف. وتتوفر في الدولة عشرات البرامج الأكاديمية التي صممتها وطرحتها مؤسسات التعليم العالي في مختلف التخصصات. ولكن اللافت للنظر أن اعتماد معظم مؤسسات التعليم العالي في الدولة، ومن بينها جامعة زايد وكليات التقنية العليا، اللغة الإنجليزية رسمياً في التدريس قد أدى لحدوث تحديين كبيرين أمام الخريجين المواطنين. التحدي الأول يحدث عند إنهاء هؤلاء الطلبة متطلبات التخرج الأكاديمية والثاني بعد التخرج.
بالنسبة للتحدي الأول، فإن المعايير الموضوعة من جميع مؤسسات التعليم العالي التي تستخدم اللغة الإنجليزية في التدريس، والمتوافقة – حسب اعتقادي - مع معايير الاعتماد لمؤسسات التعليم العالي عالمياً، تشترط حصول الطالب على معدل معين في اختبار الكفاءة في اللغة الإنجليزية قبل قبوله رسمياً في مؤسسات التعليم العالي. ثم تشترط بعض تلك المؤسسات، ومن بينها كليات التقنية العليا، الحصول على معدل معين في نفس الاختبار مرة أخرى عند إنهاء المساقات الأكاديمية بنجاح وهو من شروط التخرج الرسمي.
وبالرغم من أن هذه السياسة تعني التأكيد على تميز الخريج في مهارات اللغة الإنجليزية، وبأن الجامعة قد نجحت في تطوير مهارات التواصل باللغة الإنجليزية إلا أنها أيضاً تضع معظم الخريجين المواطنين تحت ضغط كبير، إذ إن هؤلاء الخريجين لا يلبثون أن يواجهوا عائقاً كبيراً عند دخولهم سوق العمل، وهو ما يعكس التحدي الثاني. ويتضح هذا التحدي بجلاء عندما يتقدم معظم الخريجين المواطنين لشغل وظائف في الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، ويتم بالفعل توظيفهم. فهؤلاء الطلبة الذين درسوا لمدة قد تصل إلى خمس سنوات باللغة الإنجليزية يجدون لزاماً عليهم اجتياز اختبارات شغل الوظيفة باللغة العربية ثم عند مباشرتهم العمل يضطرون لاستخدام اللغة العربية كلُغة رسمية في التقارير والمراسلات ومعظم الاجتماعات. وهذا في حد ذاته يمثل عائقاً يظل أمام هؤلاء الخريجين لمدة طويلة، وقد يؤثر سلباً بشكل واضح على أدائهم المهني بسبب ضعف مهارات التواصل لديهم باللغة العربية.
ونحن هنا أيضا لا نقلل من أهمية تعلم واستخدام اللغة الإنجليزية وهي اللغة العالمية الأولى في معظم مجالات الحياة وأسواق العمل. ولكن مما لا شك فيه أن مؤسسات التعليم تضطلع بالدور الأكبر في إعداد الطلبة المواطنين لسوق العمل وما يتطلبه هذا من تطوير المهارات المطلوبة للمهنة بما فيها اللغة. ومن المفترض لذلك أن تولي مؤسسات التعليم العالي اهتماما أكبر باللغة العربية ولكن الملاحظ منذ سنوات هو ترسيخ معظم تلك المؤسسات في الدولة اللغة الإنجليزية في المناهج والتدريس مما خلق فجوة كبيرة بينهم وبين الاحتياجات الفعلية لسوق العمل وخاصة في القطاع الحكومي. وانعكس هذا بالتالي على قدرة معظم الخريجين المواطنين في التأقلم مع متطلبات العمل في العديد من جهات العمل التي تعتمد العربية لغة رسمية.
ولذلك نرى أن مؤسسات التعليم العالي التي تعتمد اللغة الإنجليزية لغة التدريس الرسمية لديها يجب أن تعيد النظر في تلك السياسة وأن تولي اللغة العربية اهتماما أكبر في برامجها أسوة باللغة الإنجليزية. وبهذا تكتمل رسالة تلك المؤسسات بأركانها العلمية والأكاديمية والاجتماعية والمهنية.
الاتحاد
|
|
|
|