لو كانت اللغة العربية رجلا لأشهرت سيفها‮..‬

أ. عبد الناصر

الطريف التراجيكوميدي‮ ‬في‮ ‬الكتابة عن الصراع اللغوي‮ ‬من باريس بوجه عام وعن تفنيد مبررات دعاة الدراجة العامية بوجه خاص‮ ‬يجعل مني‮ ‬مصدر شبهة تعمق التشكيك في‮ ‬حقيقة هويتي‮ ‬الفكرية أكثر من أي‮ ‬وقت مضى استنادا لمعيار التطرف الإيديولوجي‮ ‬عند طرفي‮ ‬الصراع اللغوي‮ ‬القديم الجديد‮.‬

كتبت قبل سنة تقريبا فور صدور كتاب إيف بورجيه الذي‮ ‬دافع فيه عن اللغة الفرنسية وبكى فيه على سيطرة اللغة الإنجليزية،‮ ‬بينت كيف أن كل أنظمة العالم تجعل من اللغة عنوان هوياتها بالشكل الذي‮ ‬لا‮ ‬يتناقض مع انفتاحها على لغات وثقافات العالم في‮ ‬زمن تفرض فيه لغة الأقوى علميا وتقنيا واقتصاديا وبالتالي‮ ‬سياسيا الأمر الذي‮ ‬يجعل من المتطرفين اللغويين باسم وطنية وجدانية مفصولة عن واقع ميزان القوة على أرض المعيش الملموس مجرد أبواق‮ ‬يعزف أصحابها خارج منطق الغالب المهيمن بتقدم شامل سابق للغة‮. ‬أسوق هذا الكلام معبرا عن حزني‮ ‬الكبير على بورج الذي‮ ‬بكى على اللغة الفرنسية لكنه لم‮ ‬يوقف زحف اللغة الإنجليزية التي‮ ‬يلجأ إليها كبار الباحثين الفرنسيين والأوروبيين لأنها لغة الأقوى علميا،‮ ‬وأنا بدوري‮ ‬أبكي‮ ‬على مصير اللغة العربية في‮ ‬بلدي‮ ‬الذي‮ ‬قال فيه بن بلة عقب الإستقلال‮ " ‬نحن عرب‮" ‬وهو نفس البلد الذي‮ ‬قاد فيه بومدين التعريب من دون منهجية بيداغوجية وتأهيل علمي‮ ‬ومهني‮ ‬يتناغم مع واقع اقتصادي‮ ‬وإداري‮ ‬وسياسي‮ ‬وتم كل ذلك على مرأى ومسمع فرونكوفونيون كانوا‮ ‬يسخرون من تعريب ديماغوجي‮ ‬ودوغمائي‮ ‬أصبح اليوم مبررا ذهبيا في‮ ‬أيدي‮ ‬المتربصين لأخطاء وطنيين تعايشوا مع من لا‮ ‬يتحدثون اللغتين العربية والعامية مع زوجاتهم وعشيقاتهم وأبنائهم‮.

‬من منطلق الأمثلة والحقائق المذكورة،‮ ‬نستطيع القول وحتى الجزم أن مسلسل العبث بوجه عام وباللغة العربية بوجه خاص لم‮ ‬يبدأ مع الوزيرة بن‮ ‬غبريط التي‮ ‬أشعلت النار،‮ ‬عبث قبلها وزراء كما‮ ‬يحلو لهم ومن بينهم وزيرة سابقة معروفة تاريخيا بتوجهها الفرنكوفيلي‮ ‬وأصبحت تذبح اللغة العربية تجسيدا لتكتيك‮ ‬يصب في‮ ‬صلب الديماغوجية‮. ‬هي‮ ‬المنظومة التي‮ ‬جعلت بن‮ ‬غبريط تطلق شرارة العامية كما أطلق من قبلها بن‮ ‬يونس شرارة الخمور وهي‮ ‬نفسها المنظومة التي‮ ‬قمعت الأمازيغ‮ ‬قبل الاعتراف بوجودهم اللغوي‮ ‬وهي‮ ‬نفسها المنظومة التي‮ ‬افتقدت لاستراتيجية تعليم علمي‮ ‬يأخذ بعين الاعتبار شروط التكوين الحديث بكل اللغات ولا‮ ‬يتلاعب بها خدمة لصراعات هدفها الهيمنة وفي‮ ‬ذلك‮ ‬يستوي‮ ‬الذين دافعوا عن اللغة العربية ديماغوجيا ودوغمائيا والذين كرسوا الفرنسية فعليا ودون تهريج وبروز أبواق العامية اليوم ليس وليد الصدفة وهو نتيجة طبيعية لمنظومة فاقدة لتصور تنموي‮ ‬استراتيجي‮ ‬شامل‮. ‬لو كانت اللغة العربية رجلا لأشهرت السيف في‮ ‬وجوه كل الذين تاجروا بها سياسيا واشتركوا في‮ ‬التأمر ضدها رغم عداوتهم الإيديولوجية التي‮ ‬لم تمنعهم من التعايش تحقيقا لتوازن المصالح الجهوية والريعية لكنها منعتهم من استشارة الشعب المعني‮ ‬الأول والأخير في‮ ‬اللغة وغيرها من القضايا التي‮ ‬تجعل منه سيدا كما هو الحال عند الشعوب الحية كما تقول أمي‮ ‬الأمية‮.‬

الشروق