|

لو لم يكن سعدي
أ. عمار يزلي
من خلال ما قاله سعيد سعدي قبل أيام، بشأن اللغة العربية، نعرف حقيقة الرهان على اللغة الفرنسية كـ"لغة أم"، ونفهم الرهان على الدارجة كمدخل للغة الفرنسية. وإذا كانت العربية حسب زعم سعدي ما كان أن يتعلمها أحد لولا أنها فُرضت فرضا، فإن كلامه هذا كان بإمكانه أن يكون صحيحا لو قال: ما كان للفرنسية أن يتعلمها أحد لو لم يكن أمثالي موجودين في الجزائر! وبذلك يكون قد قال حقا على حق.
اللغة العربية تعلمها الجميع تحت قهر دام 132 سنة، ومن لم يتعلّم العربية، لم يتعلم غير اللهجة الدارجة والقلة القليلة، تعلموا الفرنسية رغم ما خُصص لها من طرف الاحتلال من عمال وعاملين عليها وعملاء لها.
الذي يقول هذا الكلام، لابد أن يبحث عن مختص نفساني غير نفسه أو أن يسكت، لأن التاريخ باد للعيان ولا يمكن لا لسعيد ولا لشقيّ أن ينفيه أو يغيّره أو يحرّفه.
نمتُ على هذا المأخذ، لأجد نفسي وقد حدث أن فرنسا لم تحتل الجزائر، وبقي الأتراك "يحموننا" إلى غاية 1954، عندها قامت ثورة ضد الاحتلال التركي الذي تمادى في الظلم والاستبداد. بعد سبع سنوات من الحرب، وجدنا أنفسنا ننعم بالاستقلال عن اسطنبول ووقعنا اتفاقية "إيفيان" في "ديار بكر"!
من بين ما نصت عليه الاتفاقيات، أن تكون اللغة التركية لغة ثانية في الجزائر، بعد اللغة العربية، تليها الأمازيغية. وأن يكون المذهب الحنفي ثاني مذهب بعد المالكي، يليه الإباضي. كما نصت الاتفاقية على العلاقة الاقتصادية المتميزة مع الأتراك في كامل المجالات.
بحثتُ عن سعيد سعدي في هذه الأحوال، وعن لغته الفرنسية التي يتشدق بها، فلم أجد رائحة لا لها ولا لسعدها. قلت، ربما أجد سعيد سعدي آخر: فوجدته تركي المزاج، حنفي المذهب، يتبع ملة المحتل أينما حل وارتحل ويشوش على الوحدة الوطنية والانتماء الحضاري التاريخي للشعب الجزائري وينادي بالعلمانية الأتاتوركية.
أخذته من أذنه إلى القاضي الشرعي وقلت للقاضي: يا سيدي القاضي، ماذا تقضي على رجل ادعى زورا وبهتانا أن اللغة العربية ما كان ليتكلم بها أحدٌ لولا أن فرضت فرضا؟! فقال له القاضي: ويلك! أقلت هذا في بلد مسلم؟ ألستَ مسلما؟ والله لأطبقنَّ عليك الحد الآن! قال له: لا.. أحنا مسلمين مكتفين، ولكن قصدت أنه لولا الإسلام الذي جاء بالعربية لغة للمسلمين عامة، لما تعلّمها أحد. قال له القاضي: هذه عندك الحق فيها، ومع أنك تحايلت على السؤال وأجبت بطريقة ملتوية، فنحن نعفو عنك على أن لا تعود إلى ترهاتك مستقبلا.. هيا عفط عليّ.. برا...
وأفيق بعد أن نسيت مفتاح البيت.. وقد نمت... برا ...!
الشروق
|
|
|
|