|

الوزراء المعوّقون لغويا في الجزائر
د. عبد العالي رزاقي
ليس عيبا أن تكون معوّقا لغويا ولكن العيب ألا تعرف لغتك الرسمية، وليس عيبا أن تتقلد منصبا تنفيذيا ولكن العيب أن تروّج للإعاقة اللغوية أو تقحمها في النظام التربوي، وليس عيبا أن تقلص من إعاقتك اللغوية ولكن أن تفتخر بها وتسخر من الأساتذة والمعلمين وتدعي أنك تعرف لغة أمك من دون أن تدرك أن اللغة الأصلية للأم العربية تختلف جذريا عن اللغة الأصلية للأم اليهودية أو الأروبية، فلغة أي أم يراد التعليم بها في الدخول المدرسي القادم؟
هل تغزو ألفاظ الشارع بيوتنا؟
حين يصير القلب "كلبا" والطحان والخياط والقواد تجريحاً، والفرخ ابناً غير شرعي.. وحين تدخل تعابير مبتذلة مثل: "دين باباك، دين أمك" إلى المدرسة الجزائرية، فماذا سيبقي من أخلاق في مجتمعنا؟
من يريدون التدريس باللهجات العامية سرقوا الفكرة من الكاتب المغربي نور الدين عيوش (رئيس مؤسسة زاكور المغربية) الذي أخذها هو الآخر من توصيات "ندوة دولية حول إصلاح التعليم" عقدت في المغرب عام 2011 وهي شبيهة بالندوة التي عقدت في الجزائر الشهر الماضي وتبنت توصياتها وزيرة التربية.
رئيس حكومة المغرب تصدى للفكرة معتبرا إياها "تهديدا لوحدة البلاد". أمّا في الجزائر فقد تبنت وزيرة التربية هذه الفكرة مثلما تبنى جدُّها قدور بن غبريط فكرة "الإسلام الفرنسي"، عندما كان على رأس مسجد باريس، وقد تصدى له آنذاك العلامة عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين التي تتصدى اليوم لمن يريدون تشويه أحد عناصر الهوية الجزائرية المحددة في الدستور وهو اللغة العربية.
بعض الكتّاب الجزائريين باللغة الفرنسية دعّموا الوزيرة وتطاولوا على جمعية العلماء المسلمين، فما الهدف من الدعوة إلى تجريد التلاميذ من الإحساس بجمال اللغة العربية وإيقاعها الموسيقي، واللجوء إلى اللهجات لاعتمادها وسيلة للتعليم في المنظومة التربوية؟
إن التركيز على إبعاد مواد اللغة العربية، والتربية الإسلامية والتاريخ، من برنامج التعليم هو مشروع فرنسي متجدد، فالفرنسيون منذ احتلالهم الجزائر 1830م شرعوا في تطبيق مشروع إنشاء "لغة عامية" وهي عبارة عن خليط من الفصحى المدرجة والفرنسية المعربة فقاموا بكتابتها بحروف عربية وأخطاء إملائية، ومن يقرأ افتتاحية العدد الأول من جريدة "المبشر" الصادرة في 1847 يكتشف ذلك، ومن يقرأ الكتب التي كانت تصدرها الأبرشيات (المؤسسات المسيحية في الجزائر) بالدارجة يدرك الهدف المنشود من تحويل الدارجة إلى لغة للجزائريين في المؤسسات التعليمية والإدارية.
وبعد استرجاع السيادة الوطنية قامت حكومة أحمد بن بلة بحملة لمحو الأمية باللغة الفرنسية وبقيت هذه اللغة مهيمنة حتى يومنا هذا، ومع ذلك بقي من أحبوها واستعملوها غير مرغوب فيهم لدى السلطات الفرنسية، والادعاء أن الجزائريين أرغموا على تعلم اللغة العربية عوض اللهجات يؤكد حقيقة واحدة هي أن أغلب من حكموا الجزائر كانوا معوقين باللغتين، فلا هم يحسنون كتابة الفرنسية التي هي لسانهم ولا يحسنون الكلام بلغتهم الوطنية الرسمية ومع ذلك يديرون البلاد ويتحكمون في مصير العباد.
لغة الرّقمنة الهجينة؟
ثلاث فصائل سياسية وضعت البلاد في أزمة منذ رحيل الرئيس هواري بومدين، أولها فصيل من التيار الوطني ممن شاركوا في الثورة أو دعّموها تولوا تسيير البلاد واستبدوا بالحكم من دون أن يسلموا المشعل إلى جيل الاستقلال بالرغم من أن أغلبيتهم لا يملكون المؤهلات العلمية لمسايرة التطورات الراهنة لتسيير البلاد، وفصيل ثان من التيار اللائكي تمسك بالفرنسية على حساب لغته الوطنية (العربية والأمازيغية) ودعم الرأي الواحد على حساب التعددية، وفصيل ثالث من التيار الإسلامي لجأ إلى العنف فعشنا تجربة في مقاومة الإرهاب والاستبداد والتغريب، وكان من نتائج ذلك وصول وزراء معوّقين لغويا يريدون اليوم تفكيك تماسك المجتمع الجزائري بعد أن فشلوا في الإبقاء على الجزائر مستعمرة فرنسية.
إنه ليس من حق أحد أن يعتدي على الدستور واللغة الرسمية للدولة الجزائرية وليس من حق وزارة التربية أو وزارات أخرى أن ترهن مستقبل أبنائنا للمجهول أو تسوّق أو تروّج للإعاقات اللغوية لوزرائها أو موظفيها، ومن يعتقدون أن اللغة الفرنسية مكسبٌ وطني هم أنفسهم الذين طالبوا بتدريس الأمازيغية في المنظومة التربوية حتى تبقى الفرنسية "ضرة" العربية، واليوم لجؤوا إلى اللهجات العامية بهدف المساس باللغتين العربية والأمازيغية حتى تفقد الجزائر عناصر هويتها.
فلماذا تريد حكومة "بن غبريط" التعليم باللهجات وهي تعلم أنه يوجد في كل قرية جزائرية لهجة "دارجة" تختلف عن القرى الأخرى؟ لو فكرت في تدريس "الأدب الشعبي" في منظومتها وإدخاله في البكالوريا، لقلنا إنها تعمل لخدمة الثقافة الشعبية وإحياء التراث، أم إنها لا تفرق بين "اللهجات" والأدب الشعبي؟
المؤكد أن المشكلة ليست في المنظومة التربوية وإنما هي في من تولوا الإشراف عليها، فالكثير من الوزراء الذين سيّروا الوزارة كانوا معوّقين لغويا ممّا يجعلنا نتساءل: كيف يمكن لوزير "يهجي الحروف" ولا ينطق جملة مفيدة أن يطور هذه المنظومة وهو عاجز عن تطوير نفسه؟
معوّقون لغويا وثقافيا
لا أعرف على أي أساس يتم تعيين الوزراء في المناصب؟ ولا أستطيع أن أستوعب أن الجزائر التي تضم آلافا من خريجي الجامعات والإطارات ما يكفي لتشكيل أهم حكومة من أحسن الرجال، تلجأ إلى تعيين معوقين لغويا على رأس وزارات ذات أهمية لمستقبل البلاد والعباد؟
إن ردود أفعال بعض أحزاب الحكومة والمعارضة كشفت أن الحكومة غير موجودة كمنظومة تنفيذية وأن بعض وزرائها ليست لهم علاقة بالجزائر ولا بالشعب الجزائري، وإنما ينفذون مشروعا استفزازيا لإثارة الشعب ضد النظام القائم.
الشروق
|
|
|
|