|

تدريس اللهجة العامية في الجزائر… آخر مسمار يدق في نعش المنظومة التربوية
أ. منى مقراني
تعد اللغة العربية من أهم ثوابت الأمة الجزائرية كما جاء في الدستور، وهي من مقومات الهوية الوطنية مع الإسلام واللغة الأمازيغية،لكن يبدو أن هذا المعنى والعمق لا يصل ولا يهم من يمثل بعض المؤسسات الوطنية الحساسة كوزارة التربية والتعليم ممن يمثل التيار الفرانكوفوني في الجزائر، بل يصر على إختيار التعليم هذا العصب الحساس في أي منظومة إجتماعية و سياسية، لفرض أجندته الأيديولوجية التي يعرفها الخاص والعام.
حيث جاء على لسان المفتش العام للتربية منذ أيام، أنه سيتم إدراج العامية في التعليم الإبتدائي إبتداء من الموسم الدراسي المقبل، و»التدرج» في تعليم اللغة العربية كي لا»يصدم»التلميذ بلغة لا قبل له بها، في إستخفاف بذهن المجتمع الجزائري، وكأن البلاد خلت ممن يفهمون معنى اللغة والفكر وطرق توظيفها لخدمة شتى أنواع العلوم، ولا أدري حقيقة أي لهجة هذه من اللهجات الجزائرية المتعددة قادرة على إستيعاب المعرفة ومفرداتها الدقيقة.
النبأ نزل كالصاعقة على جل أطياف المجتمع الجزائري، بمن فيهم الناطقون باللغة الفرنسية «دون التفكير بها» وفتح النقاش العام حول المصيبة التي ستقع على الصرح التربوي الذي تم هدمه بمعول الدخلاء على التربية والتعليم والذين لاهمّ لهم سوى تكريس الفرنسية لغة وفكرا وإنتماء، ممن يسمون في الجزائرب» حزب فرنسا»، حيث لا تخلو مؤسسة في الدولة من وجودهم القبيح الذي إستشرى في حقبة حكم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، إذ أنه كرّس الحديث بالفرنسية عبر القنوات العامة في مخاطبة الشعب هو وجل وزرائه الذين تم إنتقاؤهم بعناية،حيث جمد في عهده قانون تعميم إستعمال اللغة العربية عبر كل المؤسسات والمديريات الوطنية والذي كان قد شرعه البرلمان في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد والذي يقال إن أهم أسباب عزله هو قراره هذا الخاص بتعميم العربية، وتكررالموقف نفسه مع الرئيس السابق اليامين زروال؟، ويمكن إختزال تكريس وولاء البعض للغة الفرنسية كلغة للتعليم والتواصل، داخل الوطن وخارجه في مشهدين إثنين أولهما:لا يزال الكثيرون يذكرون خطاب الرئيس سنة 2000أمام البرلمان الفرنسي، عندما توقع «كما هو متعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية»أن الكلمة التي سيلقيها ستكون بالعربية،إلا أنّ الجميع تفاجأ بخطابه باللغة الفرنسية حتى أن المترجمة التي كانت بصدد ترجمة الخطاب مباشرة للفرنسيين ولنواب البرلمان الفرنسيين، لم تترجم سوى البسملة»؟،ومشهد آخر كلما تذكرته أشعر بحسرة كبيرة في قلبي، وخجل من كل شهداء الجزائر الذين ضحوا بالغالي والنفيس كي ننعم بالإستقلال،حيث قام الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند بزيارة الجزائر سنة2012 رافقه فيها الرئيس الجزائري وتم إستقبالهما في مدينة تلمسان بأداء أغنية باللغة الفرنسية غنتها جميلات تلمسان للرئيس الفرنسي الذي لم يقدم لاهو ولا من سبقه من رؤساء فرنسا أو أي جهة رسمية أخرى إعتذارا للشعب الجزائري عن ما إقترفته فرنسا الإستعمارية في حق أجدادنا وآبائنا، مشهد لشدة إستهتاره بمشاعرنا كجزائريين شعرت لبشاعته أن العربي بن مهيدي سيخرج من قبره، كيف يرضى جزائري أن تغني حرائر الجزائر للذي يمثل من قتل وصلب وسلخ ودمّر وقهر الجزائريين أزيد من قرن وثلاثين سنة؟
الحرب الفرانكوفونية على مقومات الشعب الجزائري ليست جديدة، بل تمتد جذورها الى ما بعد الإستقلال ولا اريد الغوص كثيرا في المسألة لكثرة تفاصيلها وتشابكها وإمكانية الوقوع في لبس، لكن ما أود الإشارة اليه انّ من يرغبون في إستبدال العربية بالفرنسية تدريجيا أنواع، منهم الوطنيون من أمثال محمد بوضياف وهم فئة لا تعتبر الضاد لغة حداثة، لجهلهم طبعا بها، ومنهم أصحاب البعد الإفريقي أو الأمازيغي، ومنهم أصحاب المصالح الحيوية مع فرنسا.
لكن ومع كل ماسبق، الكل يعلم أن هذه المحاولات الحثيثة لهدم اللغة العربية هي منذ الإستقلال كما ذكرنا سابقا لكنها لم تنجح، قد تكون تعرضت لضربات قوية أي نعم،إلاّ أن جهة لم تقدر تغليب الفرنسية على العربية عدا في الدوائر الرسمية، اما الشعب جله لا يتحدث سوى بروح وحروف عربية، لا يمكننا إذا إستبعاد اللعبة السياسية الشهيرة المتمثلة في إلهاء الشعب حينما تمر الأنظمة الهزيلة بفترات ركود وقلق على وجودها.
إذا كان هذا الطرح الذي تقدمه الوزارة مصيبة في حدّ ذاته،فإن اللعب على وتر حساس كهذا لغاية سياسية مصيبة أعظم.
القدس العربي
|
|
|
|