اللغة العربية ليست الأغنى عالميا، بل هي مهجورة اليوم

أ. سيروان أنور مجيد

كثيرا ما نسمع من قبل المتخصصين أو العاشقين للغة الضاد أن العربية هي الأولى من بين لغات العالم، وأنها هي الوحيدة في الاحتضان لكامل مدلولات الإرث اللغوي والعالم التكنلوجوي والبحثي بتلوناتها...! وأصحاب هذا المبدأ يفضلون هذه اللغة بتاتا على اللغات العالمية قلبا وقالبا من غير أخذ العدة البحثية المعاصرة والمطبقة على اللغات بحسبان...!
وفي الإطار نفسه، هناك من يرى هذه اللغة هي المهجورة في أرض الواقع وأنها غير قابل لاستيعاب مفردات علم الحديت، ولا سيما مصطلحات النت والطب والفيزياء والكشوفات الحديثة والمعاصرة، وهذا الرأي تبنته طائفة من أعلام قلم العربي كسلامة موسى على سبيل المثال لا الحصر، ورأي هؤلاء يتلخص في أن اللغة العربية الفصيحة غير قابلة لاكتساب مصطلحات العصر الحديث، وطالبوا بأن تحل العامية محل هذه اللغة لكي تقترب البحوث العلمية سيما اللغوية أكثر من روح الواقع العلمي، لا الركض وراء الوهم وأمجاد الماضي.... ولعل هذا الرأي الأخير يوافقه جمع من أصحاب اللغويات المعاصرة... ومن هنا، نريد أن ندلو بدلونا، ومعطوفا على طروحات علماء اللغة المحدثين والمعاصرين على أن اللغات الكونية من حيث السمات والخصائص والحيوية متماثلة، فلربما توجد سمة في لغة لا توجد في لغة أخرى، ولكن في اللغة نفسها توجد مائزة لا توجد في الأول....وهكذا دواليك، وأن الذي تجعل اللغة شامخة في رابعة الوجود والاستعمال هي خدمة هذه اللغة من قبل أصحابها أو دارسيها...لا الافتراض العاطفي والتعصبي...! ومن هنا نصل إلى نتيجة مفادها: إن اللغة العربية شأنها شأن اللغات الأخرى في الخصائص والسمات المائزة، وأن الذي رفعها وعلو شأنها هو القرآن الكريم بالدرجة الأساس -إذجعلها خالدة إلى يوم الدين- ثم علماء اللغة في الإرث اللغوي والقلة من المعاصرين، ودخلت هذه اللغة أوجها الذهبي حينما توسعت رقعة الخلافة الإسلامية، ودخلت عليها الأقوام الأخرى من غير العرب، بحيث شعر الداخلين إلى الإسلام من غير العرب أن من يخدم هذه اللغة تزيد من شحوناته الإيمانية وحمولاته التفكيرية، ولهذا نرى أن الأعاجم تخلوا عن لغتهم في عمر الخلافة الإسلامية إلا اليسير منهم وخدموا اللغة العربية، مماوصل الأمر إلى درجة أن أكثر من سبعين بالمائة ممن خدموا هذه اللغة ونظروها وقعدوها كانوا من الأعاجم، فاللغة العربية وقتها خدمت، ولذا أصبحت علما شامخا ترفرف عاليا في تاريخ اللغات. ولو كانت أية لغة خدمت بمثلها لتبوأت السمة ذاتها وحلت الأول في الأمصار الإسلامية وقتها، فبسقوط الخلافة العباسية ودخول العربية في دائرة التمنطق تراجعت هذه اللغة، وزاد هذا التراجع بقوة في العصر الحديث، أما المعاصر فحدث عنه ولا حرج. . ففي عالمنا المعاصر نرى أن اللغة الإنجليزية هي المسيطرة؛ لذا قد أضحت من يعرف هذه اللغة حتى من قبل العرب أنفسهم يحسب له حسابا رقيا في درجة العلم والفكر المعاصر، بل البعض منهم يتقزمون أمام هذه اللغة، فنرى اليوم في لغة الصحافة المعاصرة -والتي هي الخيط اليتيم لبقاء العربية المعاصرة في الواقع الاستعمالي مع تضمنها جيشا من الأخطاء اللغوية- تعابير وجمل عربية الكلمات، ولكن فرنسية وانجليزية القوالب والتفكير، وهذا ما أدى إلى انهزام هذه اللغة تجاه اللغة الضالة، بل وحتى في التخصصات العلمية في الدول العربية يصرون على التدريس في هذه اللغات باللغة الانجليزية لأنها هي لغة العلم والكشوفات، والعربية لا تسع حسب منظورهم ضمنا، وإن لم يفصحوا بذلك علنا لهذه التطورات... ومن هنا توصلنا إلى نقطة إن اللغة الانجليزية ليست هي المفضلة على العربية أو العربية في السابق أغنى اللغات وإنما الاستعمال وخدمة اللغة هي التي تجعل اللغة جبارة أمام اللغات العالمية، فتراجع اللغة العربية في يومنا إلى العاشرة عالميا لا يعني أن هذه اللغة هي العاشرة من حيث الفصاحة والبلاغة الاستعمالية نفسها، وإنما السبب تكمن في مستعمليها وأصحابها...! وهل هذه اللغة مهجورة في عصرنا المعاصر، فبكل بساطة نقول نعم، لو أردت أن تجعل بحثا أكاديميا عن أي من النظريات اللغوية على اللغة العربية الفصيحة فلا توجد هذه اللغة بشكلها السليم حية حتى عند خيرة المختصين، فلديهم المشكلة في التشكيل الصرفي والإعرابي، ناهيك عن تأثرهم بقوالب انجليزية وفرنسية، وأن هذا الكلام ولو افترضنا جدلا موجودا، ولكنه لا توجد هذه اللغة عفوية حتى من بين هذه الأوساط...! والأمر من ذلك في الشارع العربي لو تفصحت لضحكوا من وجهك وملؤوك هزءة واستهزاء...فهذا هو عقلية الفرد العربي المعاصر، فهل نحصد الفلاح من الضاحك على لغته كما يدعي...!؟ ففي كثير من اللغات العالمية بإمكانك تسجيل محاورة كلامية في المقهى أو الأماكن الرسمية ثم تسوده في الورق وتطبق عليه النظرية، أما في اللغة العربية فعليك بأخذ العامية وهذا غير مسموح لك، إذن المعطيات غير سليمة، فبالتأكيد النتيجة تكون غير سليمة وواقعية، وهذا هو واقع اللغة العربية في الأوساط اللغوية المعاصرة، يبكى لحالها...! وفي خاتمة الكلام... نقول إن أي لغة عالمية قابلة لأن تكون عالمية، ولا توجد كما يزعم البعض في العربية أو الانجليزية أن خصائصهما مهدتهما لأن تكونا عالمية، فلو كانت الاهتمامات نفسها للغة الهندية على سبيل المثال لارتقت ما ارتقى إليها الأوليان. . وفيما يخص العربية الفصيحة فنقترح أن تكون البحوث اللغوية المعاصرة على اللغات العامية ولكن الشرح والتفسير ....

أخبار العراق