تعريب النقود

مجيب بصو

 اتخذ ضرب النقود في المغرب والأندلس شكلاً مميزاً , فعلى الرغم من وجود الدينار العربي قبل الفتح, إلاّ أن المتداول هناك كما تدل البقايا اتبع خط سير مستقل , وضربت أول الأمر دنانير  جديدة في المغرب كانت عبارة عن المستعملة قديماً ، والأحرف  عليها لاتينية باستثناء استبعاد الأشكال المتعلقة بالديانة المسيحية وفي عام /98/ للهجرة تظهر نقود جديدة مزدوجة اللغة بحيث تكون الكتابة العربية في الوسط واللاتينية على الأطراف, وهكذا نقش على الوجه الأول ( لا إله إلاّ اللّه) في الوسط, وحوله في الأطراف كتب باللاتينية كلام معناه باللغة العربية ( دينار جديد ضرب  في أفريقيا سنة 97 للهجرة ) .

 أما على الوجه الآخر فقد كتب بالعربية / محمد رسول الله/ كما نقش على الأطراف كلام باللغة اللاتينية غير مقروء , أما في الأندلس  فعثر على أعداد من الدنانير المضروبة فيها على نفس المراحل في المغرب, وإن  اختلف  فيها شكل الدنانير المزدوجة اللغة إذ نرى وجهها الأول عربياً كله والوجه الآخر نقشت عليه نجمة في الوسط , وعلى الأطراف نقش باللاتينية مامعناه / دينار جديد ضرب في إسبانيا عام 98 للهجرة, وحوالى سنة /100ـ102/ للهجرة ظهرت في الأندلس  النقود العربية الصرفة, وهناك نماذج  قليلة باقية لدراهم المغرب والأندلس تعود إلى سنوات متأخرة نسبياً ونقوشها كانت نقوشاً لصيغ  إسلامية , ويلاحظ أن الصيغ  على الدرهم الأندلسي أطول بكثير من الصيغ على الدرهم المشرقي لأن مساحة الدرهم أكثر اتساعاً, وكان عبد الملك بن مروان هو أول من نقش كلمة درهم بالعربية على الدراهم , واستمرت كلمة درهم تكتب إلى مابعد سقوط الدولة العباسية , واختفت باختفاء كلمة دينار سنة /661/ للهجرة في بغداد , وسنتي /747ـ 748/ للهجرة في مصر في حكم / سيف الدين الحجي/ أحد ملوك المماليك البحرية, ولم تختلف النقود العباسية من حيث المأثورات عن النقود الأموية, وإنما بدأ اسم الخليفة أو اسم ولي العهد يظهر على الدنانير منذ عهد الرشيد, ولكن بصورة  غير مستمرة , وأصبح اسم الخليفة ثابتاً على النقود منذ عهد المعتصم بالله, أما اسم مدينة الضرب فهو مثبت على الدراهم والفلوس, وبدأ يظهر على الدنانير منذ عهد المأمون, ثم أصبح  ثابتاً على الدنانير  منذ عهد المعتصم , لقد حصل انقطاع في إصدار النقود العباسية من بعد / الطائع لله/ 362ـ 381/ للهجرة استمر حتى  عهد المقتفي لأمر الله /530ـ 550/ للهجرة, وفي فترة الانقطاع كان يظهر اسم الخليفة فقط مع أسماء حكام الدولة المستقلة عن المركز, ومن ثم انتظم من جديد إصدار النقود حتى آخر  العهد العباسي.

 الوزن:

  ظلّ وزن الدينار وقطره من أوائل العهد العباسي إلى عهد المأمون ثابتين تقريباً كوزن الدينار الأموي وقطره,  ثم أخذا مرة بالنقص ومرة بالزيادة , وفي أواخر العهد العباسي صار الدينار كبيراً وثقيلاً, كما ظهرت أسماء على الدنانير أو الحرف الأول من اسم الشخص, وهذه الأسماء لمن كان يشرف على دار السكة.

 وبقيت الدراهم في السنين الأولى من الحكم العباسي في بعض البلاد البعيدة مثل أفريقيا ومرو, تصدر على شكلها الأموي , غير أن الدراهم العباسية  كانت أكثر تنوعاً من الدنانير  من حيث الوزن والحجم وترتيب الكلام وظهور أسماء المشرفين على دار السكة, ومن حيث الزخرفة وخاصة فيما يتعلق بالأطواق المحيطة بالمأثورة الوسطى ومأثورات الهامش.

 أما الفلوس العباسية فهي أيضاً شبيهة بالفلوس الأموية , تمتاز عن الدنانير والدراهم بأنها تحمل أسماء  الولاة والأمراء فهي لذلك تمدنا بثروة من المعلومات الصحيحة في هذه الناحية.

 كانت النقود الذهبية والفضية في العهد الأموي ثم جميع النقود في العهود التالية تحمل التاريخ الهجري المتسلسل, وإن إثبات التاريخ بالتقويم المتعارف عليه يعتبر إبداعاً عربياً مفيداً وفي غاية الأهمية, وإن بعض النقود الساسانية والبيزنطية تحمل تاريخاً إلاّ أن هذا التاريخ يبدأ من أول حكم كل ملك وليس تاريخاً تقويمياً , فإذا أردنا أن نحدد تاريخ النقد , وجب مقارنته بسلسلة تعاقب الملوك استناداً إلى التقويم الميلادي للتعرف على وجه الدقة على تاريخ النقد, وبهذا تعتبر النقود العربية الإسلامية من هذه الناحية أفضل من جميع النقود المعاصرة والسابقة.

الفداء