أ. سعد الحميدين
الحياة دائمة في حراكها الذي يقوم به الإنسان كواجب حتمي للبرهنة على الوجود منذ الأزل وحتى اليوم، ففي كل وقت جديد يصبح الإنسان ويمسي على مستجدات في شؤون كثيرة، وبفضل العلم والتعليم ومتابعة تطوراته ينتج ما يحتاجه الفرد من ضروريات وكماليات، وتنمو المعارف باتساع المساحات المتاحة للعلم وإنجازاته، ولكون الكتاب الذي تدون فيه العلوم والمعارف من الأمور المهمة وهو مكتوب بأي لغة، فإنه لابد من المحافظة على لغة الكتابة لكي يمكن التوصيل، فعندما تطرح فكرة إنشاء مجمع لغوي في منشأ اللغة العربية على غرار المجامع العلمية واللغوية في العالم العربي، فإنه يؤمل أن يكون معنياً بالعلوم إضافة إلى اللغة التي تتطور وتنمو ومستمرة في نموها كلما استجد في الساحة علم وتوسعت معارف لكي تستوعب وتضيف إلى ما كانت قد كسبته، وكم من مسميات ومصطلحات دخلت اللغة العربية بفضل المجامع اللغوية سواء من عضو أو جماعة، فالعناية باللغة يمليها الواقع ويحتمها الاحتياج الى المواكبة، وهذا جليّ في الأساليب الكتابية بين الأجيال.
إن إنشاء المجمع اللغوي/العلمي، ليس للمحافظة على اللغة فقط فهو يشمل الإنسان العربي كذلك الذي يعتز بعروبته وتراثها، وحاضرها ومستقبلها وقد صمدت اللغة العربية وواجهت محاولات تغييبها وتجاهلها عبر التاريخ، وكانت منتصرة دوما، وفي غمرة الأحداث العلمية المتوالية التي تعم العالم، وما وصل العالم العربي من نصيب من وسائل العلم الحديث المطلوبة أصلاً لمواصلة النماء الحياتي، والذي يزداد نموا بتطور أساليب الحياة العلمية المواكبة للمتغيرات من اختراعات، واكتشافات، والحركة الدؤوب للبحث عما هو أفضل، والإمساك بما هو خفي لإبرازه أمام الآخرين الذين هم في حاجة إلى تلك الدوافع، فبتقدم الأشياء والمتطلبات الحياتية تتقدم اللغة وتتطور وتكون مرنة ومطواعة في الملاحقة، ومن هنا فإن أساسها يكون من المنابع، وليس التكلس الذي يؤدي إلى الهشاشة والاندثار، وإنما التشذيب والتطوير الذي لا يفقد الروح الأصلية هو الذي يمدها بالحياة لكي تكون أقوى على مواجهة التيارات المتلاطمة من حولها حيث تجوب فنون شتى الحياة في جميع أنحاء المعمورة، وعلوم مختلفة، ومستخدمات لم تكن تخطر على البال، في الأرض والجو ووسائل التواصل التي تفرز الجديد يوميا.
إن علم اللغة علم مرن متى ما وُجِدَ العلماء من المستنيرين والمتمكنين من متخصصين وعارفين بأسرار اللغة، فهم قادرون على التخريج والاشتقاق وإيجاد المصطلحات، والجامعات السعودية العديدة والمراكز العلمية تحتضنهم، ولا بد أنهم على قدر المسؤولية بأن يكونوا أعضاء نافعين ومفيدين، وبالإمكان دراسة مدى الفائدة التي سيحققها المجمع من قبل خبراء لهم تجاربهم في المجامع العلمية واللغوية، ويكون في الحسبان رصد الإيجابيات، ومحاولة تجنب السلبيات، مع إضفاء روح الحداثة والتجديد بما يلائم الزمن وما حدث ويحدث من اتساع في إطار استيعاب المستجدات في مجال التعليم، ووسائل الاتصال والتواصل والبرمجة، فالمجمع ليس للغة فقط بل هو شامل للعلوم بأنواعها.
واللغة العربية تكون العنصر الأساس للحفاظ عليها ومدها بالجديد من قبل العارفين من المهتمين والمختصين.
*لحظة:
قال الشاعر حافظ إبراهيم:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفاتي
الرياض