ساسة ونساء ولغة عربية

أ. جمال الخرسان

 في المجتمع الشرقي بشكل عام تكاد تتلخص علاقة المرأة بالرجل في اطار تنافسي اقرب للصراع منه للبحث عن الذات لكل من الجنسين، وخصوصا بالنسبة للمرأة التي تجد نفسها محاصرة الى حد كبير في مجتمعنا الذكوري! وهذا ما يدفعها في بعض الاحيان الى الدفاع عن دورها بشكل محتقن متظلم ومندفع بعاطفة جياشة قد لا تنفع في مثل هذه المواقف.

الصراع او الخلاف بين الرجل والمرأة من حيث دور كل منهما في المجتمع يتمثل في مظاهر كثيرة ينتصر فيها كلٌ لابناء جنسه على ارض الواقع العملي بغظ النظر عن الخطاب الذي ربما يتظاهر فيه البعض بإنصاف المرأة او الرجل وربما هذه السطور ليست خروجا عن القاعدة! رغم ان كاتبها ارادها ان تكون في سياق الاستثناء.
ما حصل من تجاهل للمرأة في تشكيل الحكومة وغيرها من المواقع الرسمية الهامة ماهو الا مظهر من مظاهر ذلك التنافس غير الشريف، لا نلوم فيه فقط الكتل السياسية المتنفذة في العراق بل نوزع اللوم على التركيبة الاجتماعية التي تجاهلت المرأة ولم تسمح لها ان تقوم بتأهيل نفسها بما يكفي ثم بعد ذلك تقوم بما عليها من دور تجاه المجتمع الذي تشكل نصفه وربما اكثر!
في مختلف دوائر الدولة العراقية يفضلون المرأة على الرجل، لكن التفضيل يتأتّى من باب الاستغلال السلبي للمرأة والتعامل معها باعتبارها سلعة او ديكور ليس الا! لذلك ليس غريبا ان من ساهم في ابعاد المرأة عن المناصب العليا يفضل شخصيا ان تكون المرأة حاضرة بقوة في المحيط الذي يعمل فيه! تشاهد المرأة سكرتيرة شخصية في دوائر الدولة سواء في مكاتب الوزراء او المدراء العامين او المؤسسات الرسمية وحتى غير الرسمية الاخرى! لذلك فانه ليس من المستغرب استبعادها من تشكيلة الحكومة! ولو دعوها للمشاركة في المناصب العليا للدولة فمن باب ذر الرماد في العيون!
الخلاف بين الشريحتين فيه شيء من التمييز العنصري رغم ان هذا المفهوم ربما يستفز البعض الا انه الوجه الاخر لما يحصل من اتهامات متبادلة بين هذا الطرف او ذاك.. هذه هي الحقيقة للاسف الشديد، لا بل وصلت في بعض الاحيان مظاهر الاحتقان بين الجنسين الى استدعاء اللغة العربية بشكل انتقائي وتوظيفها انتصارا لشريحة على حساب الاخرى! ومن جملة ذلك ما يشاع على لسان بعض الرجال بأن اللغة العربية فضلت الرجل على المرأة لأن الاخيرة: تسمّى نائبة (مصيبة) حينما تصل البرلمان فيما يسمّى الرجل نائب! واذا كانت في القضاء تسمّى قاضية بينما الرجل قاضي! توصف المرأة لو كانت على قيد الحياة بأنها (حيّة) فيما يوصف الرجل بانه حي! حتى اذا اصابت في رأيها فيقال عنها بأنها: مصيبة فيما يوصف الرجل بانه مصيب! ان لعنة اللغة التي ربما وقفت حاجزا في وجه توليها مناصب سيادية تلاحقها حتى حينما يتعلق الامر بما تمارس من هوايات.. فحواء هاوية (اسم من اسماء جهنهم) فيما يقال عن الرجل في مثل ذلك المقام بأنه: هاوي! إذا نزل الرجل فهو نازل وإذا نزلت المرأة فهي نازلة (ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا * وعند الله منها المخرج).
وردا على ذلك كان للنساء موقف انتقائي آخر وظف ذات السلاح السابق وادّعى ان اللغة العربية تفضل الانثى على الذكر.. لقد ابتسمت اللغة العربية للمرأة في مفردات كثيرة عبّرت عن اشياء جميلة بصيغة المؤنت وعبّرت عن حقائق قبيحة ومؤلمة بصيغة المذكر: الابتسامة مؤنث والحزن مذكر! الحياة مؤنث والموت مذكر! الصحة مؤنث والمرض مذكر، القوة مؤنث والضعف مذكر! المودة والرحمة مؤنث فيما الحقد والحسد والغضب مذكر. الراحة مؤنث والنكد مذكر. الألم مذكر بينما العافية مؤنث وهلم جرا!
اللغة كما جارت على المرأة في مواضع انصفتها في مواضع اخرى! وليس الحال كما هو مع القائمين على ادارة شؤون البلاد فهم لم ينصفوها على الاطلاق. اللغة جارت وانصفت كلا منهما.. وما جرّ اللغة العربية لمصلحة احدهما الا مطية لمن يريد الانتقاء!
ختاما من باب التذكير فقط: (وما التأنيث لاسم الشمس عيب *ولا التذكير فخر للهلال).


 

صوت العراق