الكوني: الهوية ثقافية... وأساسها اللغة

 كان للروائي الليبي إبراهيم الكوني، حضوره في المقهى الثقافي المصاحب لمعرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، وذلك عبر لقاء مفتوح مع جمهور، أداره الأمين العام لرابطة الأدباء الباحث طلال الرميضي.

وفي استهلال اللقاء أشار الكوني إلى أن هويته عربية مثلما هي «طوارقية»، وأن الطوارق أمة كبيرة مثل العرب والفرس والروم وتتكون من مجموعة كبيرة من القبائل لكن العالم يتجاهلهم بسبب روح القمع لهويات الأقلية.

وأوضح أن الهوية ليست عرقية بل هي ثقافية... وأساسها اللغة... فعندما يكتب بالعربية فهذا يعني أنه يحبها وأنها هويته... بينما حين يكتب الروائي من أصل عربي باللغة الفرنسية أو الإنكليزية فهو بالتالي ينتمي إلى هوية تلك اللغة بحكم قانون الأدب.

وقال: «إن اللغة أو الثقافة هي ما يجب أن نتباهى به وليس العرق... أنا موجود في اللغة العربية وأفكر بها».

وتطرق الكوني إلى مفهوم الاغتراب مشيرا إلى أن هناك أنواعا مختلفة مثل اغتراب الهوية والاغتراب الوجودي... موضحا أنه عاش طفولته حتى سن العاشرة في الصحراء الكبرى ثم انتقل إلى واحات جنوب ليبيا ومنها إلى طرابلس التي لم يمكث بها سوى ثلاث سنوات ومن ثم سافر للدراسة في معهد جوركي للآداب في موسكو وواصل اغترابه في أوروبا من سويسرا إلى أن انتقل قبل ثلاث سنوات إلى إسبانيا.. وهو ما تطلب منه التحدث بأكثر من لغة منها الروسية التي قرأ بها معظم الآداب العالمية والفرنسية والألمانية. مؤكدا أن هذه الحزمة من الاغترابات لعبت دورا مركزيا في تكوينه الروحي... حتى غدت هويته هي العالم نفسه... حيث يبقى السؤال الآن عن هذا المخلوق من طين الذي نفخ الله فيه.. ما مهمته في الوجود؟

وقال الكوني: «يدهشني دائما أن العرب لا يعرفون لغتهم... أحب العربية لأنها لغات ولهجات، وهناك ما بين اللغة الكلاسيكية والمعاصرة لغة مستترة تحمل عمقا روحيا ثريا جدا، وعلى كل من يتعامل مع هذه اللغة أن يستنطقها كي يستخرج كنوزها. وإن كانت اللغة الكلاسيكية لا نستطيع أن نفهمها إلا عن طريق معجم ما يعني أنها أصبحت لغة «منسية» يجب أن يعاد إحياؤها وهذا هو دور المبدع.. فالمبدع لا يكون مبدعا مالم يطور اللغة ويخلق بها روح الشعرية ويكتشف عناصرها الكلاسيكية والمنسية».

في ما تحدث الكوني عن علاقته بالصحراء وقال: «إننا مازلنا في عالمنا ننظر بسلبية إلى الصحراء ونستعمل مفردة (التصحر) بدلالة سلبية رغم ما للصحراء من أفضال على البشرية ففيها ظهرت الرسالات السماوية ووفرت لنا الماء وحتى الطاقة التي تضيء العالم كله اليوم. واليابسة مقدسة في جميع الكتب المقدسة وفي الميثولوجيا، فكلمة (جيو) اليونانية تعني الرابية أو المكان المرتفع عن سطح الماء... فهي الأرجوحة التي انفصلت بنا عن غمر الماء. ومن ثم فهي وطن الحرية، وفي سفر الخروج يأمر الله الفرعون بأن أطلق شعبي ليعبدوني في البرية.. فأرض الميعاد هي الحرية والحرية لا وجود لها إلا في الصحراء».

وتحفظ الكوني على مفهوم الأيديولوجيا وشعاراتها وقال إن الشعارات تقتل أي رسالة حقيقية... ولم يعرقل النهضة العربية مثل الشعارات الإيديولوجية والنتيجة ما يحدث اليوم. ومأساتنا أننا في العالم العربي نسيس كل شيء ونختصر الوجود كله في حرف واحد هو السياسة أو الشعار.. في حين أن الوجود أرحب من ذلك ويفترض أن تكون السياسة أصغر هامش فيه، وللأسف معظم الأدب العربي مسيس ومثل هذه النصوص هي تقارير وليست أدبا، لأن الأدب لابد أن يقوم على الأسطورة والاستعارة لا «المانفستو».

وقال عن سر اختياره للكتابة عن الصحراء: «عندما درست الآداب في معهد جوركي كانوا يحدثوننا عن نظرية الرواية بوصفها فنا مدنيا.. لا ينتمي إلى الريف أو الصحراء.. وفي الوقت نفسه يطلبون منا أن نكتب عما نعرفه.. وأنا لا أعرف سوى الصحراء.. وهذا يعني أن تلك النظرية حكمت عليّ بالموت فقررت أن ألقي بقفاز التحدي ولم أكتب عن الصحراء رواية واحدة بل روايات ملحمية من أجزاء عدة... واكتشفت أن المدينة ليست هي أساس الرواية بل لغز اسمه الإنسان... فكل إنسان هو رواية في حد ذاته. وكل صحراء لها حق الوجود وحق أن تقول كلمتها، فليس أجمل من طبيعة الصحراء لأنها عارية ومكشوفة ولا تخفي شيئا.

وردا على سؤال اعترض الكوني عن الكتابة بالعامية المحكية مثلما دعا سعيد عقل، مؤكدا أن العربية ثرية بما يكفي كلغة أدب كما أنها لغتنا المشتركة.

كما أكد أن اسماء المبدعين الليبيين لا تقتصر عليه فهناك ايضا الصادق النيهوم وأحمد الفقيه ويوسف الشريف وغيرهم.
 

الراي