لسان العربية شعار الإسلام

أ. حجاج بوخضور

 يقول مجاهد: «لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إن لم يكن عالماً بلغات العرب»، فاللسان العربي هو شعار الإسلام، ولا يمكن فصل اللغة العربية عن الدين، فهي الدين بعينه، والمنقذ من فساد العقيدة، إلا أن رتابة وركاكة الخطاب الديني، الذي يعتمد على الحكايات والتكرار والإعادة بلغة فاسدة، أثر في جودة التديّن، وعلى مستوى علاقة المسلمين بالإسلام، وأدى إلى بروز ظواهر مثل التحجر الفكري والعنف. 

يمقت الله تعالى القول دون العمل: «كَبُرَ مَقْتًا ع.ندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»، والعمل ليس بالتمني، ولا إنجازاً رمزياً ومادياً، إنما الذي يدعم الإيمان بما وقر في القلب وصدّقه العمل، فيجب ترجمة الكلام إسلاما بالعمل، بإخراج الاجتهاد من حيز الإشكال والإجمال والإبهام، إلى حيز البيان والإجراء العملي، أي بربط أواصر الأداء اللغوي، بالأداء الحركي والسلوكي، لقوله: «وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم ورَسُولُهُ والمُؤْم.نُونْ». 
التوق الديني مُبرمج في الجينات، ففي الدماغ بنى فطرية تساعد في اكتساب اللغة والتذاكر الديني، فللغة سابقية على الدين، بحكم ارتباطها بأوّل الخلق، لقوله تعالى «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء»، والله تعالى ألهمنا اللغة فطرة، لقوله: «الرّحْمَنُ عَلَّمَ الُقُرْآنَ خَلَقَ الإ.نسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»‏، ويبين تعالى لنا أنّ التديّن فطري هو الآخر، لقوله: «فَأَق.مْ وَجْهَكَ ل.لدّ.ين. حَن.يفًا ف.طْرَةَ الله. الَّت.ي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا». 
العربية لغة والإسلام ديناً؛ والتناظر بينهما، يساعد على مزج الأنماط والأنساق اللغوية مع الدينية، فيتحول لا محالة إلى تطابق، بما يسمح للمتكلم بالتعبير عن ذاته اللغوية، وذاته الدينية في آن واحد، بوضوح واستقامة ورسوخ، وكلما كانت اللغة فصيحة تمكن الدعاة والمشايخ من تحقيق صفة التكامل الوظيفي لها، في تطبيق الدين الصحيح، ونقل العقل الفردي والمجتمعي؛ من طور الجمود إلى طور الحركة، وإرساء القيم وتطوير المجتمع. 
يُروى أن الفاروق قال: «لا يُقرئ القرآن إلا عالم بلغة العرب»، والذي دفعه أن يقول هذه المقالة، ما روي عن أعرابي قدم إلى المدينة في خلافة عمر، فقال: من يقرئني مما أُنزل على محمد، فقرأ رجل سورة براءة: «أنَّ اللهَ بريء من المشركين ورسول.ه» «بالجر» فقال الأعرابي: «أوقد برئ الله من رسوله؟ فإن يكن؛ فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر مقالة الأعرابي، فناداه: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله؟ فقال يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فقرأ لي سورة براءة، فقلت: مقالتي تلك، فقال عمر إنما تُقرأ هكذا: «أنَّ اللهَ بريء من المشركين ورسولُه» «بالرفع». فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه، فأمر عمر ألا يُقر.ئ القرآن إلا عالم باللغة.
 

القبس