اللغة العربية بين الواقع والآمال

د. أحمد عبد الملك

 في كل مرة يلتقي فيها مربون وأكاديميون وإداريون في الشأن التعليمي في العالم العربي، تظهر قضية ضعف اللغة العربية، التي يعاني منها طلاب المرحلة الثانوية وما قبلها. وما يضيفه ذلك من تبعات في المرحلة الجامعية. ويقوم بعض الإداريين في الشأن التعليمي بتدبيج عبارات حول «نجاح» خطط مواجهة الضعف في اللغة العربية لدى الطلبة.

وبينما تعاني الجامعات من ضعف مستوى الطلبة في اللغة العربية، تجد أن بعض «المربين» يؤكد على قضية «الحفظ». ونحن ندرك ما للحفظ من دور في إلغاء عقل الطالب، وجعله يكرر ما يقوله المدرس دون تفكير أو تدبر. ومنذ السبعينيات ظهرت مدارس تربوية تدين منهج الحفظ والتلقين الذي لا يعترف بعقل الطالب وبحقه في أن يستنتج ويقارن بين المعلومة وأختها أو الحادثة التاريخية وغيرها.
 
ومن خلال تدريسي (مشاركاً) في جامعة قطر لأكثر من عشرين عاماً، أستطيع حصر ملامح الضعف لدى الطلبة في الآتي:
1- محدودية الثروة اللغوية، والتعويل على لغة المخاطبة الشفوية، دونما الإتيان بمفردات عربية، وذلك راجع إلى قلة القراءة.

2- عدم قدرة الطالب على التعبير، لذلك فهو يريد أسئلة الامتحان بصيغة «صح أم خطأ» أو بصيغة «الأجوبة الاختيارية»، وهذا راجع إلى قلة التحصيل وعدم القدرة على الاستنباط والتفكير.

3- كثرة الأخطاء الإملائية، وأحياناً لجوء الطلبة إلى التعبير باللهجة المحلية، وهذا راجع لقلة التكليفات (في المرحلة الثانوية وما قبلها) التي تحبب القراءة للطالب.

4- عدم قدرة الطالب على كتابة مقال من 250 كلمة، دون الاستعانة بالآخرين، حيث يلجأ بعض الطلبة إلى المكاتب التي «تبيع» تلك البحوث. وفي المرحلة الجامعية يواصل الطالب الاعتماد على تلك المكاتب، فيفقد القدرة على التطور وعلى الكتابة الصحيحة، حتى بعد تخرجه.

5- وأخيراً جاءت موجة الإعلام الجديد والإنترنت لتقضي على وقت المراجعة والمطالعة لدى الطالب، فيستسهل بعضهم الاعتماد على الإنترنت مستخدماً (Cut and Paste) دون فهم أو استيعاب لمضمون المادة، أو حتى طريقة كتابة الحروف وتوليفها.

لذلك لابد من الإقرار بأن تطور التكنولوجيا لم يكن كله «برداً وسلاماً» على عملية التلقي والتعلم، وأن «الانشداه» نحو التكنولوجيا أضعف الطالب، وحسر مساحات القراءة والتمعن لديه، لأنه يتلقى المعلومة دون جهد، ودوماً بطريقة بصرية، وبالتالي فإنه غير قادر على معرفة قواعد النحو والصرف، كما يفقد القدرة التخيلية لموضوع الإنشاء أو ورقة البحث، وهذه قضية أخرى تتصل بالمعلم، والأسلوب الذي يعتمده في توصيل المعلومة.

وهنا نتساءل: هل مستوى الطالب خريج الثانوية اليوم بنفس مستوى نظيره عام 1970؟ وكيف وماذا ومتى يقرأ الطالب الآن، مقارنة بطالب عام 1970؟

كان الطالب في الماضي يُوجه بحزم، ولو وصل الأمر إلى العقاب بشتى أشكاله، وكان يخاف من المدرس قبل أن يخاف من والده، وكان له طموح للمشاركة في القراءة خارج الفصل، كي يستطيع المناقشة في النادي أو المجلس، ولم يكن لديه سوى الكتاب. لذلك، ومع التقدير للوسائل التكنولوجية، فمستوى طالب الأمس أثرى وأقدر من طالب اليوم في كثير من الحالات.

كلامي هنا ليس دعوة لضرب الطالب أو لمنعه من استخدام التكنولوجيا، لكن لابد من مراجعة المناهج، ليس على الأسس التي توصل إليها الغرب، بل بدراسة واقع التعليم، ثم أوضاع المدرسين ومؤهلاتهم.

قد نسمع بعد عشر سنوات تصريحات من إداريي التعليم حول خطط جديدة للارتقاء باللغة العربية، كما نسمعها حالياً، لكن واقع الحال ينمّ عن أن المشكلة ما زالت قائمة، وأن التصريحات المتكررة من التربويين الخليجيين لم تساهم في حل تلك المشكلة، أو في إيجاد الظروف الملائمة لتوصيل اللغة العربية للطلبة.
 

الاتحاد