عن اللغة.. وبلال فضل

د. زيد حمزة

 كنت أعلم بأني لا ألقى الترحيب من بعض من يسمعونني اقول إن المصريين هم افضل من يتحدثون باللغة العربية واضيف للتدليل على صحة وجهة نظري ان لهجتهم العامية هي الاقرب الى العربية السليمة من باقي اللهجات العامية العربية وأنها تزداد قربا بصعودها من طبقة الأميين الى طلبة المدارس الى خريجي الجامعات وصولاً في اعلى السلم الى المثقفين الذين يقرؤون كثيراً،  وينتجون ابداعاً.. وكم كنت أتمنى لو كان معي قبل أيام اولئك الذين لا يشاركونني الرأي في هذه المسألة اللغوية كي يستمعوا للكاتب الصحفي المصري بلال فضل، صاحب البرنامج التلفزيوني الادبي السياسي رفيع المستوى (عصير الكتب) الذي كان يقدمه قبل سنوات، وهو يتحدث من اميركا عبر الاقمار الصناعية في برنامج (بتوقيت مصر) على احدى الفضائيات المصرية،  بلغته العادية (العامية الاقرب الى الفصحى) ينطق بها فتنساب بغير تكلف او اصطناع لتصل، في تقديري،  بسهولة ويسر الى عقل كل مستمع وإلى وجدانه، ومن الجدير بالذكر انه - كما وضّح في المقابلة - موجود في اميركا ليس منفيا ولا هاربا من حكم قضائي بل يشارك في اعداد مسلسل جديد عن حياة الزعيم المصري مصطفى النحاس، فهو معروف ككاتب سيناريو للعديد من الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، وقد قبل بهذا العمل هناك بعد أن ضاقت عليه الفرص في مصر بسبب موقفه السياسي وتمسكه بمبادئ ثورة 25 يناير في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. واسمحوا لي هنا أن اتوقف قليلا مع ذكرى شخصية لكنها ذات علاقة،  فشيء ما في بلال فضل يعيد الى خاطري صورة الراحل العزيز الكاتب الصحفي الكبير احمد بهاء الدين، ربما نفس ابتسامته الهادئة وضحكته القصيرة حين كان يتحدث الينا ذات يوم في رابطة الطلبة الاردنيين في القاهرة قبل اكثر من ستين عاما، والشبه الآخر يكمن في الظروف التي اضطرته فيما بعد للعمل خارج مصر !

لقد اشرت في بداية حديثي الى ان البعض ممن لا أنوي الخوض في دوافعهم يتفاجأون باستنتاجي بأن المصريين هم افضل من يتحدث العربية ولم أزعم انه مستند لأي دراسة، اما الإعراب عن قناعتي بان اللهجة المصرية هي الأقرب للعربية السليمة فربما قصدت به استنهاض همم من يرغبون في البحث عن الاسباب التاريخية والاجتماعية والسياسية التي اوصلت المصريين الى هذا التميز اللغوي غير المعزول عن مؤهلات عديدة يملكها الشعب المصري العربي في مجالات أخرى، جليلة وخطيرة وثقها التاريخ عبر آلاف السنين..
وبعد.. ففي حوارات لغوية في منتديات مختلفة لا يحبطني ان هناك من يستغربون مجرد اعترافي بالعامية بل يزيدني ذلك حماساً للدفاع عنها ووصفها برفيقة الفصحى أو شقيقتها الكبرى التي عليها أن تأخذ بيدها في صحبة جميلة تتيح لكليهما تطوراً مطّرداً في خدمة العلم والمعرفة كما كل اللغات الحية،  وفي رفد مسيرة التقدم.. العربي على الأقل !
 

الرأي